نزل كائن مِنْ حَمِيمٍ قيل: يشرب بعد أكل الزقوم كما فصل فيما قبل وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ أي إدخال في النار، وقيل: إقامة فيها ومقاساة لألوان عذابها وكل ذلك مبني على أن المراد بيان ما لهم يوم القيامة، وقيل: هذا محمول على ما يجده في القبر من حرارة النار ودخانها لأن الكلام في حال التوفي وعقب قبض الأرواح والأنسب بذلك كون ما ذكر في البرزخ، وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه قال في الآية: لا يخرج الكافر حتى يشرب كأسا من حميم، وقرأ أحمد بن موسى والمنقري واللؤلؤي عن أبي عمرو «وتصلية» بالجر عطفا على حَمِيمٍ إِنَّ هذا أي الذي ذكر في السورة الكريمة كما أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ اليقين على ما يفهم من كلام الزمخشري في الجاثية اسم للعلم الذي زال عنه اللبس وبذلك صرح صاحب المطلع وذكر أنه تفسير بحسب المعنى وهو مأخوذ من المقام وإلا فهو العلم المتيقن مطلقا والإضافة بمعنى اللام والمعنى- لهو عين اليقين- فهو على نحو عين الشيء ونفسه ولا يخفى أن الإضافة من إضافة العام إلى الخاص وكونها بمعنى اللام قول لبعضهم، وقال بعض آخر: إنها بيانية على معنى من، وقدر بعضهم هنا موصوفا أي لهو حق الخبر اليقين وكونه لا يناسب المقام غير متوجه، وفي البحر قيل: إن الإضافة من إضافة المترادفين على سبيل المبالغة كما تقول هذا يقين اليقين وصواب الصواب بمعنى أنه نهاية في ذلك فهما بمعنى أضيف أحدهما إلى الآخر للمبالغة وفيه نظر، والفاء في قوله تعالى: فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ لترتيب التسبيح أو الأمر به، فإن حقية ما فصل في تضاعيف السورة الكريمة مما يوجب التسبيح عما لا يليق مما ينسبه الكفرة إليه سبحانه قالا أو حالا تعالى عن ذلك علوا كبيرا وأخرج الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجة وابن حبان والحاكم وصححه وغيرهم عن عقبة بن عامر الجهني قال: «لما نزلت على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ قال: اجعلوها في ركوعكم ولما نزلت سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى قال: اجعلوها في سجودكم» .
«ومما قاله السادة أرباب الاشارة» متعلقا ببعض هذه السورة الكريمة أن «الواقعة» اسم لقيامة الروح كما أن «الآزفة» اسم لقيامة الخفي، و «الحاقة» اسم لقيامة السر، و «الساعة» اسم لقيامة القلب، وقالوا: إن الواقعة إذا وقعت ترفع صاحبها طورا وتخفضه طورا وتشعل نيران الغيرة وتفجر أنهار المعرفة وتحصل للسالك إذا اشتغل بالسلوك والتصفية ووصل ذكره إلى الروح وهي في البداية مثل ستر أسود يجيء من فوق الرأس عند غلبة الذكر وكلما زاد في النزول يقع على الذاكر هيبة وسكينة وربما يغمى عليه في البداية ويشاهد إذا وقع على عينيه عوالم الغيب فيرى ما شاء الله تعالى أن يرى وتكشف له العلوم الروحانية ويرى عجائب وغرائب لا تحصى، وإذا أفاق فليعرض ما حصل له لمسلكه ليرشده إلى ما فيه مصلحة وقته ويعبر له ما هو مناسب لحوصلته ويقوى قلبه ويأمره بالذكر والتوجه الكلي حتى يكمل بصفو سر الواقعة فيكون سرا منورا فربما يصير السالك بحيث إذا فتح عينيه بعد نزولها في عالم الشهادة يشاهد ما كان مشاهدا له فيها وهي حالة سنية معتبرة عند أرباب السلوك- فليس لوقعتها كاذبة- بل هي صادقة لأن الشيطان يفر عندها والنفس لا تقدر أن تلبس على صاحبها وهي اليقظة الحقيقية وما يعده الناس يقظة هو النوم كما يشير إليه
قول أمير المؤمنين علي كرم الله تعالى وجهه: الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا
، ثم إنهم تكلموا على أكثر ما في السورة الجليلة بما يتعلق بالأنفس، وقالوا في مواقع النجوم: إنها إشارة إلى اللطائف المطهرة لأنها مواقع نجوم الواردات القدسية الخفية من السماء الجبروتية اللاهوتية، وقيل: في قوله تعالى: لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ إن فيه إشارة إلى أنه لا ينبغي لمن لم يكن طاهر النفس من حدث الميل إلى صغائر الشهوات- وهو الحدث الأصغر- ومن حدث الميل إلى كبائر الشهوات- وهو الحدث الأكبر- أن يمس بيد نفسه وفكره معاني القرآن الكريم كما لا ينبغي