في قوله سبحانه: أُولئِكَ بذلك الاعتبار أي أولئك الموصوفون بعدم إجابة داعي الله فِي ضَلالٍ مُبِينٍ أي ظاهر كونه ضلالا بحيث لا يخفى على أحد حيث أعرضوا عن إجابة من هذا شأنه أَوَلَمْ يَرَوْا الهمزة للإنكار والواو على أحد القولين عطف على مقدر دخله الاستفهام يستدعيه المقام، والرؤية قلبية أي ألم يتفكروا ولم يعلموا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ أي لم يتعب بذلك أصلا من عيي كفعل بكسر العين، ويجوز فيه الإدغام بمعنى تعب كأعيا، وقال الكسائي: أعييت من التعب وعييت من انقطاع الحيلة والعجز والتحير في الأمر وأنشدوا:
عيوا بأمرهم كما ... عيت ببيضتها الحمامة
أي لم يعجز عن خلقهن ولم يتحير فيه، واختار بعضهم عدم الفرق، وقرأ الحسن «ولم يعي» بكسر العين وسكون الياء، ووجهه أنه في الماضي فتح عين الكلمة كما قالوا في بقي بقي بفتح القاف وألف بعدها وهي لغة طيء، ولما بني الماضي على فعل مفتوح العين بني مضارعه على يفعل مسكورها فجاء يعي فلما دخل الجازم حذف الياء فبقي يعي بنقل حركة الياء إلى العين فسكنت الياء، وقوله تعالى: بِقادِرٍ في حيز الرفع لأنه خبر أن والباء زائدة فيه، وحسن زيادتها كون ما قبلها في حيز النفي، وقد أجاز الزجاج ما ظننت أن أحدا بقائم قياسا على هذا، قال أبو حيان: والصحيح قصر ذلك على السماع فكأنه قيل هنا: أو ليس الله بقادر عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى ولذلك أجيب عنه بقوله تعالى: بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ تقريرا للقدرة على وجه عام يكون كالبرهان على المقصود، ولذا قيل: إن هذا مشير إلى كبرى لصغرى سهلة الحصول فكأنه قيل: إحياء الموتى شيء وكل شيء مقدور له فينتج أن إحياء الموتى مقدور له، ويلزمه أنه تعالى «قادر على أن يحيي الموتى» .
وقرأ الجحدري وزيد بن علي وعمرو بن عبيد وعيسى والأعرج بخلاف عنه ويعقوب «يقدر» بدل بِقادِرٍ بصيغة المضارع الدال على الاستمرار وهذه القراءة على ما قيل موافقة أيضا للرسم العثماني.
وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ ظرف عامله قول مضمر مقوله تعالى: أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ أي ويقال: يَوْمَ يُعْرَضُ إلخ، والظاهر أن الجملة معترضة، وقيل: هي حال، والتقدير وقد قيل، وفيه نظر، وقد مر آنفا الكلام في العرض بطوله، والإشارة إلى ما يشاهدونه حين العرض من حيث هو من غير أن يخطر بالبال لفظ يدل عليه فضلا عن تذكيره وتأنيثه إذ هو اللائق بتهويله وتفخيمه، وقيل: هي إلى العذاب بقرينة التصريح به بعد، وفيه تهكم بهم وتوبيخ لهم على استهزائهم بوعد الله تعالى ووعيده، وقولهم: وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ [الشعراء: 138، سبأ: 35، الصافات: 59] .
قالُوا بَلى وَرَبِّنا تصديق بحقيته وأكدوا بالقسم كأنهم يطمعون في الخلاص بالاعتراف بحقية ذلك كما في الدنيا وأنى لهم. وعن الحسن أنهم ليعذبون في النار وهم راضون بذلك لأنفسهم يعترفون أنه العدل.
قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ بسبب استمراركم على الكفر في الدنيا، ومعنى الأمر الإهانة بهم فهو تهكم وتوبيخ وإلا لكان تحصيلا للحاصل، وقيل: هو أمر تكويني والمراد إيجاب عذاب غير ما هم فيه وليس بذاك، والفاء في قوله تعالى: فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ واقعة في جواب شرط مقدر أي إذا كان عاقبة أمر الكفرة ما ذكر فاصبر على ما يصيبك من جهتهم أو إذا كان الأمر على ما تحققته من قدرته تعالى الباهرة فَاصْبِرْ وجوز غير واحد كونها عاطفة لهذه الجملة على ما تقدم، والسببية فيها ظاهرة واقتصر في البحر على كونها لعطف