[سورة الأحقاف (46) : الآيات 27 إلى 35]

إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللَّهِ ظرف متعلق بالنفي الصريح أو الضمني في قوله تعالى: فَما أَغْنى وهو ظرف أريد به التعليل كناية أو مجازا لاستواء مؤدى الظرف والتعليل في قولك: ضربته لإساءته وضربته إذ أساء لأنك إنما ضربته في ذلك الوقت لوجود الإساءة فيه، وهذا مما غلب في إذ وحيث من بين سائر الظروف حتى كاد يلحق بمعانيهما الوضعية وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ من العذاب الذي كانوا يستعجلونه بطريق الاستهزاء ويقولون:

فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ [الأعراف: 70، هود: 32] .

وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ يا أهل مكة مِنَ الْقُرى كحجر ثمود وقرى قوم صالح، والكلام بتقدير مضاف أو تجوز بالقرى عن أهلها بقوله تعالى: وَصَرَّفْنَا الْآياتِ أي كررناها لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ وأمر ما سهل، والترجي مصروف لغيره تعالى أو (لعل) للتعليل أي لكي يرجعوا عما هم فيه من الكفر والمعاصي إلى الإيمان والطاعة فَلَوْلا نَصَرَهُمُ فهلا منعهم من الهلاك الذي وقعوا فيه الَّذِينَ اتَّخَذُوا أي آلهتهم الذين اتخذوهم.

مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْباناً آلِهَةً والضمير الذي قدرناه عائدا هو المفعول الأول لاتخذوا. وآلِهَةً هو المفعول الثاني وقُرْباناً بمعنى متقربا بها حال أي اتخذوهم آلهة من دون الله حال كونها متقربا بها إلى الله عزّ وجلّ حيث كانوا يقولون: ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى [الزمر: 3] وهؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ [يونس: 18] وفي الكلام تهكم بهم.

وأجار الحوفي كون قُرْباناً مفعولا من أجله، وأجاز هو أيضا وابن عطية ومكي وأبو البقاء كونه المفعول الثاني لا تخذوا. وجعل آلِهَةً بدلا منه، وقال في الكشاف: لا يصح ذلك لفساد المعنى، ونقل عنه في بيانه أنه لا يصح أن يقال: تقربوا بها من دون الله لأن الله تعالى لا يتقرب به، وأراد كما في الكشف أنه إذا جعل مفعولا ثانيا يكون المعنى فلولا نصرهم الذين اتخذوهم قربانا بدل الله تعالى أو متجاوزين عن أخذه تعالى قربانا إليهم وهو معنى فاسد.

واعترض عليه بجعل دُونِ بمعنى قدام كما قيل به في قوله تعالى: وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ [البقرة: 231]

طور بواسطة نورين ميديا © 2015