لتنزههم عن الكسب والحسن فتحيرهم على نحو آخر، أو نقول التحير في إدراك ذاته تعالى وصفاته إنما ينشأ من مشاهدة آثار عظمته وكمال قدرته سبحانه ولا شك أن تلك الآثار في السماء أعظم من الآثار في الأرض وعليه فيجوز أن يكون الإله بمعنى المتحير فيه ويكون مجازا عن عظيم الشأن من باب ذكر اللازم وإرادة الملزوم فيكون المعنى أنه تعالى عظيم الشأن في السماء على نحو وعظيم الشأن في الأرض على نحو آخر اهـ، ولا يخلو عن شيء كما لا يخفى وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ كالدليل على النفي والاختصاص المشار إليهما فإن من لا يتصف بكمال الحكمة والعلم لا يستحق الإلهية.

وَتَبارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما كالهواء ومخلوقات الجو المشاهدة وغيرها وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ أي العلم بالساعة أي الزمان الذي تقوم القيامة فيه فالمصدر مضاف لمفعوله، والساعة بمعناها اللغوي وهو مقدار قليل من الزمان، ويجوز أن يراد بها معناها الشرعي وهو يوم القيامة، والمحذور مندفع بأدنى تأمل، وفي تقديم الخبر إشارة إلى استئثاره تعالى بعلم ذلك وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ للجزاء، والالتفات إلى الخطاب للتهديد، وقرأ الأكثر بياء الغيبة والفعل في القراءتين مبني للمفعول وقرىء بفتح تاء الخطاب والبناء للفاعل، وقرىء «تحشرون» بتاء الخطاب أيضا والبناء للمفعول وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ أي ولا يملك آلهتهم الذين يدعونهم مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ كما زعموا أنهم شفعاؤهم عند الله عزّ وجلّ، وقرىء «تدعون» بتاء الخطاب والتخفيف والسلمي وابن وثاب بها وشد الدال إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ الذي هو التوحيد وَهُمْ يَعْلَمُونَ أي يعلمونه، والجملة في موضع الحال، وقيد بها لأن الشهادة عن غير علم بالمشهود به لا يعول عليها، وجمع الضمير باعتبار معنى من كما أن الأفراد أولا باعتبار لفظه، والمراد به الملائكة وعيسى وعزير وأضرابهم صلاة الله تعالى وسلامه عليهم، والاستثناء قيل: متصل إن أريد بالذين يدعون من دونه كل ما يعبد من دون الله عزّ وجلّ ومنفصل إن أريد بذلك الأصنام فقط، وقيل: هو منفصل مطلقا وعلل بأن المراد نفي ملك الآلهة الباطلة الشفاعة للكفرة ومن شهد بالحق منها لا يملك الشفاعة للمؤمنين فكأنه قيل على تقدير التعميم: ولا يملك الذين يدعونهم من دون الله تعالى كائنين ما كانوا الشفاعة لهم لكن من شهد بالحق يملك الشفاعة لمن شاء الله سبحانه من المؤمنين فالكلام نظير قولك: ما جاء القوم إلي إلا زيدا جاء إلى عمرو فتأمل.

وقال مجاهد وغيره: المراد بمن شهد بالحق المشفوع فيهم، وجعل الاستثناء عليه متصلا والمستثنى منه محذوفا كأنه قيل: ولا يملك هؤلاء الملائكة واضرابهم الشفاعة في أحد إلا فيمن وحد عن إيقان وإخلاص ومثله في حذف المستثنى منه قوله:

نجا سالم والنفس منه بشرقة ... ولم ينج إلا جفن سيف ومئزرا

أي واستدل بالآية على أن العلم مما لا بد منه في الشهادة دون المشاهدة.

وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ أي سألت العابدين أو المعبودين لَيَقُولُنَّ اللَّهُ لتعذر المكابرة في ذلك من فرط ظهوره ووجه قول المعبودين ذلك أظهر من أن يخفى فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ فكيف يصرفون عن عبادته تعالى إلى عبادة غيره سبحانه ويشركونه معه عزّ وجلّ مع إقرارهم بأنه تعالى خالقهم أو مع علمهم بإقرار آلهتهم بذلك، والفاء جزائية أي إذا كان الأمر كذلك فإني إلخ، والمراد التعجب من إشراكهم مع ذلك، وقيل: المعنى فكيف يكذبون بعد علمهم بذلك فهو تعجب من عبادة غيره تعالى وإنكارهم للتوحيد مع أنه مركوز في فطرتهم، وأيّاما كان فهو متعلق بما قبله من التوحيد والإقرار بأنه تعالى هو الخالق، وأما كون المعنى فكيف أو أين يصرفون عن التصديق بالبعث مع أن الإعادة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015