على اتصاف الأنبياء عليهم السلام به قبل البعثة استقام نفي الإيمان قبل الوحي وإلى هذا ذهب ابن المنير. الثالث أن المراد شرائع الإيمان ومعالمه مما لا طريق إليه إلا السمع وإليه ذهب محيي السنة البغوي وقال: إن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان قبل الوحي على دين إبراهيم عليه السلام ولم تتبين له عليه الصلاة والسلام شرائع دينه، ولا يخفى أنه إذا لم يعتبر كون الكلام على حذف مضاف يلزمه إطلاق الإيمان على الأعمال وحدها وهو خلاف المعروف. الرابع أن الكلام على تقدير مضاف فقيل التقدير دعوة الإيمان أي ما كنت تدري كيف تدعو الخلق إلى الإيمان وإليه يشير كلام أبي العالية.

وقال الحسين بن الفضل: أي أهل الإيمان أي لا تدري من الذي يؤمن، وأنت تدري أنه لا يرتضي هذا إلا من لا يدري. الخامس المراد نفي دراية المجموع أي ما كنت تدري قبل الوحي مجموع الكتاب والإيمان فلا ينافي كونه صلّى الله عليه وسلّم كان يدري الإيمان وحده ويأباه إعادة لَا السادس أن المراد ما كنت تدري ذلك إذ كنت في المهد وإليه ذهب علي بن عيسى وهو خلاف الظاهر، والظاهر أن المراد استمرار النفي إلى زمن الوحي، وظاهر كلام الكشف يميل إلى اعتبار نحو ذلك القيد قال: لعل الأشبه أن الإيمان على ظاهره والآية واردة في معرض الامتنان والإيحاء يشمل الإلقاء في الروع وإرسال الرسول فالإيمان عرفه بالأول والكتاب بالثاني على أن الآية تدل على أنه صلّى الله عليه وسلّم عرفهما بعد أن لم يكن عارفا وهو كذلك أما أنه عليه الصلاة والسلام عرفهما بعد الوحي فلا فجاز أن يعرفهما به وجاز أن يعرف واحدا منهما معينا به. وقد دل الدليل على أن المعرف به هو الكتاب والإيمان بعد العقل وقبل الوحي، والتمسك به على أنه صلّى الله عليه وسلّم لم يكن متعبدا بشرع من قبله ضعيف لأن عدم الدراية لا يلزمه عدم التعبد بل يلزمه سقوط الإثم إن لم يكن تقصيرا انتهى.

وأنت تعلم أن المتبادر أنه عليه الصلاة والسلام عرفهما بعد الوحي، وأما قوله قدس سره في تضعيف التمسك بذلك على أنه صلّى الله عليه وسلّم لم يكن متعبدا بشرع من قبله إن عدم الدراية لا يلزمه عدم التعبد فقد قيل عليه: إنه ساقط لأنه عليه الصلاة والسلام إذا لم يدر شرعا فكيف يتعبد به، وقد يجاب بأن مراد المدقق أن الدراية المنفية الدراية بمعنى العلم الجازم الثابت المطابق للواقع وعدمها لا يلزمه، عدم التعبد إذ يكفي في التعبد بشرع من قبله عليه الصلاة والسلام الظن الراجح ثبوته فلعله كان حاصلا له صلّى الله عليه وسلّم.

ومثل هذا الظن يكفي للمتعبدين اليوم بشرع نبينا عليه الصلاة والسلام فإن أكثر الفروع ظنية، ومن يتتبع الأخبار يعلم أن العرب لم يزالوا على بقايا من دين إبراهيم عليه السلام من الحج والختان وإيقاع الطلاق والغسل من الجنابة وتحريم ذوات المحارم بالقرابة والصهر وغير ذلك وأن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان أحرص الناس على اتباع دين إبراهيم عليه السلام. وفي الصحيح أنه صلّى الله عليه وسلّم كان أي قبل البعثة يتحنث بغار حراء، وفسر التحنث بالتحنف أي اتباع الحنيفية وهي دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام، والفاء تبدل ثاء في كثير من كلامهم وفي رواية ابن هشام في السير يتحنف بالفاء بدل الثاء، نعم فسر أيضا بالتعبد كما في صحيح البخاري وباتقاء الحنث أي الإثم كالتحرج والتأثم وكل ذلك مما ذكره الحافظ القسطلاني في شرح الصحيح.

ثم إن الظاهر أن من قال: إنه صلّى الله عليه وسلّم كان متعبدا بشرع من قبله ليس مراده أنه عليه الصلاة والسلام كان متعبدا بجميع شرع من قبله بل بما ترجح عنده صلّى الله عليه وسلّم ثبوته. والذي ينبغي أن يرجح كون ذلك من شرع إبراهيم عليه السلام لأنه من ذريته عليهما الصلاة والسلام وقد كلفت العرب بدينه.

وقال بعضهم: إن عبادته صلّى الله عليه وسلّم التفكر والاعتبار، ولعله أيضا مما ترجح عنده عليه الصلاة والسلام كونه من شريعته عليه السلام وربما يقال: بما علمه صلّى الله عليه وسلّم لا على ذلك الوجه من شرع من قبله أنه صلّى الله عليه وسلّم لم يزل موحى إليه وأنه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015