المعهود دخلا في المبعث بناء على ما
ورد من حديث مطر السماء بعد النفخة الأولى مطرا كمني الرجال
، وقيل:
الاختصاص راجع إلى التنزيل وما ترجع إليه تقييداته التي يقتضيها المقام من العلم، وفي ذلك ردّ على القائلين مطرنا بنوء كذا وللاعتناء برد ذلك لما فيه من الشرك في الربوبية عدل عن يعلم إلى يُنَزِّلُ وهو كما ترى، وقوله تعالى: وَما تَدْرِي نَفْسٌ أي كل نفس برة كانت أو فاجرة كما يدل عليه وقوع النكرة في سياق النفي ماذا تَكْسِبُ غَداً أي في الزمان المستقبل من خير أو شر، وقوله سبحانه: وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ عطف على ما استظهره صاحب الكشف على قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وأشار إلى أنه لما كان الكلام مسوقا للاختصاص لا لإفادة أصل العلم له تعالى فإنه غير منكر لزم من النفي على سبيل الاستغراق اختصاصه به عزّ وجلّ على سبيل الكناية على الوجه الأبلغ، وفي العدول عن لفظ العلم إلى لفظ الدراية لما فيها من معنى الختل والحيلة لأن أصل دري رمي الدرية وهي الحلقة التي يقصد رميها الرماة وما يتعلم عليه الطعن والناقة التي يسببها الصائد ليأنس بها الصيد فيستتر من ورائها فيرميه وفي كل حيلة، ولكونها علما بضرب من الختل والخيلة لا تنسب إليه عزّ وجلّ إلّا إذا أولت بمطلق العلم كما
في خبر خمس «لا يدريهن إلا الله تعالى»
وقيل: قد يقال الممنوع نسبتها إليه سبحانه بانفراده تعالى أما مع غيره تبارك اسمه تغليبا فلا، ويفهم من كلام بعضهم صحة النسبة إليه جلّ وعلا على سبيل المشاكلة كما في قوله:
لا هم لا أدري وأنت الداري.
فلا حاجة إلى ما قيل: إنه كلام أعرابي جلف لا يعرف ما يجوز إطلاقه على الله تعالى وما يمتنع فيكون المعنى لا تعرف كل نفس وإن أعملت حيلها ما يلصق بها ويختص ولا يتخطاها ولا شيء أخص بالإنسان من كسبه وعاقبته فإذا لم يكن له طريق إلى معرفتهما كان من معرفة ما عداهما أبعد وأبعد، وقد روعي في هذا الأسلوب الإدماج المذكور ولذا لم يقل: ويعمل ماذا تكسب كل نفس ويعلم أن كل نفس بأي أرض تموت، وجوز أن يكون أصل وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وأن ينزل الغيث فحذف أن وارتفع الفعل كما في قوله: أيهذا الزاجري أحضر الوغى وكذا قوله سبحانه:
وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ والعطف على عِلْمُ السَّاعَةِ فكأنه قيل: إن الله عنده علم الساعة وتنزيل الغيث وعلم ما في الأرحام، ودلالة ذلك على اختصاص علم تنزيل الغيث به سبحانه ظاهر لظهور أن المراد بعنده تنزيل الغيث عنده علم تنزيله، وإذا عطف يُنَزِّلُ على السَّاعَةِ كان الاختصاص أظهر لانسحاب علم المضاف إلى الساعة الى الإنزال حينئذ فكأنه قيل: إن الله عنده علم الساعة وعلم تنزيل الغيث، وهذا العطف لا يكاد يتسنى في وَيَعْلَمُ إذ يكون التقدير وعنده علم علم ما في الأرحام وليس ذاك بمراد أصلا.
وجعل الطيبي وَما تَدْرِي نَفْسٌ إلخ معطوفا على خبر إن من حيث المعنى بأن يجعل المنفي مثبتا بأن يقال:
ويعلم ماذا تكسب كل نفس غدا ويعلم أن كل نفس بأي أرض تموت وقال: إن مثل ذلك جائز في الكلام إذا روعي نكتة كما في قوله تعالى: أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً [الأنعام: 151] فإن العطف فيه باعتبار رجوع التحريم إلى ضد الإحسان وهي الإساءة، وذكر في بيان نكتة العدول عن المثبت إلى المنفي نحو ما ذكرنا آنفا. وتعقب ذلك صاحب الكشف بأن عنه مندوحة أي بما ذكر من عطفه على جملة إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وقال الإمام: في وجه نظم الجمل الحق أنه تعالى لما قال: وَاخْشَوْا يَوْماً إلخ وذكر سبحانه أنه كائن بقوله عزّ وجلّ قائلا: إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فكأن قائلا يقول: فمتى هذا اليوم؟ فأجيب بأن هذا العلم مما لم يحصل لغيره تعالى وذلك قوله سبحانه: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ثم ذكر جلّ وعلا الدليلين اللذين ذكرا مرارا على البعث. أحدهما إحياء الأرض بعد موتها المشار إليه بقوله تعالى: وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ والثاني الخلق ابتداء المشار