هود وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ [هود: 94] أي صيحة جبريل عليه السلام فإنها الموجبة للرجفة بسبب تمويجها للهواء وما يجاورها من الأرض، وفسر مجاهد الرجفة هنا بالصيحة، فقيل: لذلك وقيل: لأنها رجفت منها القلوب فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ أي بلدهم فإن الدار تطلق على البلد، ولذا قيل: للمدينة دار الهجرة أو المراد مساكنهم وأقيم فيه الواحد مقام الجمع لأمن اللبس لأنهم لا يكونون في دار واحدة ولعل فيه إشارة إلى أن الرجفة خربت مساكنهم وهدمت ما بينها من الجدران فصارت كمسكن واحد جاثِمِينَ أي باركين على الركب، والمراد ميتين على ما روي عن قتادة.
وفي مفردات الراغب هو استعارة للمقيمين من قولهم: جثم الطائر إذا قعد ولطىء بالأرض ويرجع هذا إلى ميتين أيضا وَعاداً وَثَمُودَ منصوبان بإضمار فعل ينبىء عنه ما قبله من قوله تعالى: فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ أي وأهلكنا عادا وثمود، وقوله تعالى: وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ عطف على ذلك المضمر أي وقد ظهر لكم أتم ظهور إهلاكنا إياهم من جهة مساكنهم أو بسببها. وذلك بالنظر إليها عند اجتيازكم بها ذهابا إلى الشام وإيابا منه، وجوز كون مِنْ تبعيضية، وقيل: هما منصوبان بإضمار اذكروا أي واذكروا عادا وثمود.
والمراد ذكر قصتهما أو بإضمار اذكر خطابا له صلّى الله تعالى عليه وسلم، وجملة قَدْ تَبَيَّنَ حيالية، وقيل:
هي بتقدير القول أي وقل: قد تبين، وجوز أن تكون معطوفة على جملة واقعة في حيز القول أي اذكر عادا وثمود قائلا قد مررتم على مساكنهم وقد تبين لكم إلخ، وفاعل تبين الإهلاك الدال عليه الكلام أو مساكنهم على أن مِنْ زائدة في الواجب، ويؤيده قراءة الأعمش «مساكنهم» بالرفع من غير من، وكون مِنْ هي الفاعل على أنها اسم بمعنى بعض مما لا يخفى حاله.
وقيل: هما منصوبان بالعطف على الضمير في فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ والمعنى يأباه، وقال الكسائي: منصوبان بالعطف على الذين من قوله تعالى: وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وهو كما ترى، والزمخشري لم يذكر في ناصبهما سوى ما ذكرناه أولا وهو الذي ينبغي أن يعول عليه. وقرأ أكثر السبعة «وثمودا» بالتنوين بتأويل الحي، وهو على قراءة ترك التنوين بتأويل القبيلة، وقرأ ابن وثاب «وعاد وثمود» بالخفض فيهما والتنوين عطفا على مدين على ما في البحر أي وأرسلنا إلى عاد وثمود وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ بوسوسته وإغوائه أَعْمالَهُمْ القبيحة من الكفر والمعاصي فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ أي الطريق المعهود وهو السوي الموصل إلى الحق، وحمله على الاستغراق حصرا له في الموصل إلى النجاة تكلف وَكانُوا أي عاد وثمود لا أهل مكة كما توهم: مُسْتَبْصِرِينَ أي عقلاء يمكنهم التمييز بين الحق والباطل بالاستدلال والنظر ولكنهم أغفلوا ولم يتدبروا وقيل: عقلاء يعلمون الحق ولكنهم كفروا عنادا وجحودا، وقيل: متبينين أن العذاب لاحق بهم بإخبار الرسل عليهم السلام لهم ولكنهم لجوا حتى لقوا ما لقوا.
وعن قتادة والكلبي كما في مجمع البيان أن المعنى كانوا مستبصرين عند أنفسهم فيما كانوا عليه من الضلالة يحسبون أنه على هدى وأخرج ابن المنذر وجماعة عن قتادة أنه قال: أي معجبين بضلالتهم وهو تفسير بحاصل ما ذكر، وهو مروي كما في البحر عن ابن عباس ومجاهد، والضحاك، والجملة في موضع الحال بتقدير قد أو بدونها وَقارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهامانَ معطوف على عادا، وتقديم قارون لأن المقصود تسلية النبي صلّى الله تعالى عليه وسلم فيما لقي من قومه لحسدهم له، وقارون كان من قوم موسى عليه السلام وقد لقي منه ما لقي، أو لأن حاله أوفق بحال عاد وثمود فإنه كان من أبصر الناس وأعلمهم بالتوراة ولم يفده الاستبصار شيئا كما لم يفدهم كونهم مستبصرين شيئا،