قالا: مر عمر بن الخطاب برجل يقرأ «والذين» بالواو فقال: من أقرأك هذه؟ فقال: أبي فأخذ به إليه فقال: يا أبا المنذر أخبرني هذا أنك أقرأته هكذا قال أبي: صدق وقد تلقنتها كذلك من في رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال عمر: أنت تلقنتها كذلك من رسول الله صلّى الله عليه وسلم؟ فقال: نعم فأعاد عليه فقال في الثالثة وهو غضبان: نعم والله لقد أنزلها الله على جبريل عليه السلام وأنزلها جبريل على قلب محمد صلّى الله عليه وسلم ولم يستأمر فيها الخطاب ولا ابنه فخرج عمر رافعا يديه وهو يقول الله أكبر الله أكبر.
وفي رواية أخرجها أبو الشيخ أيضا عن محمد بن كعب أن أبيّا رضي الله تعالى عنه: تصديق هذه الآية في أول وَآخَرِينَ مِنْهُمْ [الجمعة: 30] وفي أوسط وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ [الحشر:
10] وفي آخر وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ [الأنفال: 75] إلخ، ومراده رضي الله تعالى عنه أن هذه الآيات تدل على أن التابعين غير الأنصار، وفيها أن عمر رضي الله تعالى عنه قال: لقد كنت أرى أنا رفعنا رفعة لا يبلغها أحد بعدنا وأراد اختصاص السبق بالمهاجرين، وظاهر تقديم المهاجرين على الأنصار مشعر بأنهم أفضل منهم وهو الذي تدل عليه قصة السقيفة، وقد جاء في فضل الأنصار ما لا يحصى من الأخبار. ومن ذلك ما
أخرجه الشيخان. وغيرهما عن أنس قال:
«قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم:» آية الإيمان حب الأنصار وآية النفاق بغض الأنصار» .
وأخرج الطبراني عن السائب بن يزيد أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قسم الفيء الذي أفاء الله تعالى بحنين في أهل مكة من قريش وغيرهم فغضب الأنصار فأتاهم فقال: «يا معشر الأنصار قد بلغني من حديثكم في هذه المغانم التي آثرت بها أناسا أتألفهم على الإسلام لعلهم أن يشهدوا بعد اليوم وقد أدخل الله تعالى قلوبهم الإسلام ثم قال: يا معشر الإسلام ألم يمن الله تعالى عليكم بالإيمان وخصكم بالكرامة وسماكم بأحسن الأسماء أنصار الله تعالى وأنصار رسوله عليه الصلاة والسلام ولولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار ولو سلك الناس واديا وسلكتم واديا لسلكت واديكم أفلا ترضون أن يذهب الناس بهذه الغنائم البعير والشاء وتذهبون برسول الله؟ فقالوا: رضينا فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: أجيبوني فيما قلت.
قالوا: يا رسول الله وجدتنا في ظلمة فأخرجنا الله بك إلى النور، وجدتنا على شفا حفرة من النار فأنقذنا الله بك، وجدتنا ضلالا فهدانا الله تعالى بك فرضينا بالله تعالى ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلّى الله عليه وسلم نبيا، فقال عليه الصلاة والسلام:
لو أجبتموني بغير هذا القول لقلت: صدقتم لو قلتم ألم تأتنا طريدا فآويناك؟ ومكذبا فصدقناك؟ ومخذولا فنصرناك وقبلنا ما رد الناس عليك لصدقتم، قالوا: بل لله تعالى ولرسوله المن والفضل علينا وعلى غيرنا»
فانظر كيف قال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم وكيف أجابوه رضي الله تعالى عنهم وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ أي هيأ لهم ذلك في الآخرة. وقرأ ابن كثير من تحتها وأكثر ما جاء في القرآن موافق لهذه القراءة خالِدِينَ فِيها أَبَداً من غير انتهاء ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ أي الذي لا فوز وراءه، وما في ذلك من معنى البعد قيل لبيان بعد منزلتهم في الفضل وعظم الدرجة من مؤمني الأعراب، ولا يخفى أن هذا لا يكاد يصح إلا بتكلف ما إذا أريد من الذين اتبعوهم صنف آخر غير الصحابة لأن الظاهر أن مؤمني الأعراب صحابة ولا يفضل غير صحابي صحابيا كما يدل عليه
قوله صلّى الله عليه وسلم: «لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه» ،
وقوله صلّى الله عليه وسلم: «أمتي كالمطر لا يدرى أوله خير أم آخره»
من باب المبالغة.
وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ شروع في بيان منافقي أهل المدينة ومن حولها من الأعراب بعد بيان حال أهل البادية منهم أي وممن حول بلدكم مُنافِقُونَ والمراد بالموصول كما أخرج ابن المنذر عن عكرمة: جهينة، ومزينة، وأشجع، وأسلم، وغفار، وكانت منازلهم حول المدينة، وإلى هذا ذهب جماعة من المفسرين كالبغوي،