بجميع مكة ومضى بهم إلى بدر وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بوادي دفران فنزل عليه جبريل عليه السلام بالوعد بإحدى الطائفتين إما: العير وإما قريش فاستشار أصحابه فقال بعضهم: هلا ذكرت لنا القتال حتى نتأهب له إنا خرجنا للعير فقال صلّى الله عليه وسلّم: إن العير مضت على ساحل البحر وهذا أبو جهل قد أقبل فقالوا: يا رسول الله عليك بالعير ودع العدو فغضب عليه الصلاة والسلام فقام أبو بكر. وعمر رضي الله تعالى عنهما فأحسنا الكلام في اتباع أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثم قام المقداد بن عمرو فقال: يا رسول الله امض لما أمرك الله تعالى فنحن معك حيث أحببت لا نقول كما قال بنو إسرائيل لموسى فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ [المائدة: 24] ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون فتبسم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثم قال: أشيروا عليّ أيها الناس- وهو يريد الأنصار- لأنهم كانوا عدوهم وقد شرطوا حين بايعوه بالعقبة أنهم براء من ذمامه حتى يصل إلى ديارهم فتخوف أن لا يروا نصرته إلا على عدوهم بالمدينة فقام سعد بن معاذ رضي الله تعالى عنهما فقال: يا رسول الله إيانا تريد؟ قال: أجل. قال: قد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة فامض يا رسول الله لما أردت فو الذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد ولا نكره أن تلقى بنا عدونا وإنا لصبر عند الحرب صدق عند اللقاء، ولعل الله تعالى يريك منا ما يقر به عينيك فسر بنا على بركات الله تعالى فنشطه قوله ثم قال عليه الصلاة والسلام: سيروا على بركة الله تعالى فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين والله لكأني انظر إلى مصارع القوم اهـ،
وبهذا تبين أن بعض المؤمنين كانوا كارهين وبعضهم لم يكونوا كذلك وهم الأكثر كما تشير إليه الآية،
وجاء في بعض الأخبار أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لما فرغ من بدر قيل له: عليك بالعير فليس دونها شيء فناداه العباس وهو في وثاقه لا يصلح فقال له: لم؟ فقال: لأن الله تعالى وعدك إحدى الطائفتين وقد أعطاك ما وعدك يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ الذي هو تلقي النفير المعلى للدين لايثارهم عليه تلقي العير،
والجملة اما مستأنفة أو حال ثانية، وجوز أن تكون حالا من الضمير في لَكارِهُونَ، وقوله سبحانه: بَعْدَ ما تَبَيَّنَ متعلق بيجادلون، وما مصدرية، وضمير تبين للحق أي يجادلون بعد تبين الحق لهم باعلامك أنهم ينصرون ويقولون: ما كان خروجنا إلا للعير وهلا ذكرت لنا القتال حتى نستعد له ونتأهب كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ أي مشبهين بالذين يساقون بالعنف والصغار إلى القتل، فالجملة في محل نصب على الحالية من ضمير لكارهون، وجوز أن تكون صفة مصدر لكارهون بتقدير مضاف أي لكارهون كراهة ككراهة من سبق للموت وَهُمْ يَنْظُرُونَ حال من ضمير يساقون وقد شاهدوا أسبابه وعلاماته، وفي قوله سبحانه وتعالى: كَأَنَّما إلخ إيماء إلى أن مجادلتهم كانت لفرط فزعهم ورعبهم لأنهم كانوا ثلاثمائة وتسعة عشر رجلا في قول فيهم فارسان المقداد بن الأسود. والزبير بن العوام، وعن علي كرم الله تعالى وجهه ما كان منا فارس يوم بدر إلا المقداد وكان المشركون ألفا قد استعدوا للقتال وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ كلام مستأنف مسوق لبيان جميل صنع الله تعالى بالمؤمنين مع ما بهم من الجزع وقلة الحزم، فإذ نصب على المفعولية بمضمر إن كانت متصرفة أو ظرف لمفعول ذلك الفعل، وهو خطاب للمؤمنين بطريق التلوين والالتفات وإِحْدَى مفعول ثان ليعد وهو يتعدى إلى المفعول الثاني بنفسه وبالباء، أي اذكروا وقت أو الحادث وقت وعد الله تعالى إياكم إحدى الطائفتين.
وقرىء «يعدكم» بسكون الدال تخفيفا، وصيغة المضارع لحكاية الحال الماضية لاستحضار صورتها، وقوله سبحانه وتعالى: أَنَّها لَكُمْ بدل اشتمال من إحدى مبين لكيفية الوعد، أي يعدكم أن إحدى الطائفتين كائنة لكم مختصة بكم تتسلطون عليها تسلط الملائك وتتصرفون فيها كيفما شئتم وَتَوَدُّونَ عطف على يعدكم داخل معه حيث دخل أي تحبون أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ من الطائفتين، وذات الشوكة هي النفير ورئيسهم أبو