تعالى ومن فوض كفى لا نظرا إلى أن المشيئة غيب غير معلوم فيكون شكا في الإيمان،

وقد جاء «من شك في إيمانه فقد كفر» ،

وما أحسن ما

نقل عن الحسن أن رجلا سأله أمؤمن أنت؟ فقال: الإيمان إيمانان فإن كنت تسألني عن الإيمان بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والجنة والنار والبعث والحساب فأنا مؤمن وإن كنت تسألني عن قوله تعالى إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إلخ فو الله لا أدري أمنهم أنا أم لا؟

وهذا ونحوه مما يجعل الخلاف لفظيا، وقد صرح بذلك جمع من المحققين عليهم الرحمة.

لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ أي كرامة وعلو مكانة على أن يراد بالدرجات العلو المعنوي وقد يراد بها العلو الحسي،

وفي الخبر عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه صلّى الله عليه وسلّم قال: «في الجنة مائة درجة لو أن العالمين اجتمعوا في إحداهن لوسعتهم» وعن الربيع بن أنس «سبعون درجة ما بين كل درجتين حضر الفرس المضمر السبعين سنة»

ووجه الجمع على الوجهين ظاهر، والتنوين للتفخيم والظرف، إما متعلق بمحذوف وقع صفة لها مؤكدة لما أفاده التنوين أو بما تعلق به الخبر أعنى لهم من الاستقرار.

وجوز أبو البقاء أن يكون العامل فيه دَرَجاتٌ لأن المراد بها الأجور، وفي إضافته إلى الرب المضاف إلى ضميرهم مزيد تشريف لهم ولطف بهم وإيذان بأن ما وعدهم متيقن الثبوت مأمون الفوات، والجملة جوز أن تكون خبرا ثانيا لأولئك وأن تكون مبتدأ مبنية على سؤال نشأ من تعدد مناقبهم كأنه قيل: ما لهم بمقابلة هذه الخصال؟ فقيل: لهم درجات وَمَغْفِرَةٌ عظيمة لما فرط منهم وَرِزْقٌ كَرِيمٌ وهو ما أعد لهم من نعيم الجنة. وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد القرظي قال: إذا سمعت الله تعالى يقول رزق كريم فهو الجنة. والكرم كما نقل الواحدي اسم جامع لكل ما يحمد ويستحسن في بابه فلعل وصف الرزق به هنا حقيقة.

وقال بعض المحققين: معنى كون الرزق كريما أن رازقه كريم، ومن هنا وصفوه بالكثرة وعدم الانقطاع إذ من عادة الكريم أن يجزل العطاء ولا يقطعه فكيف بأكرم الأكرمين تبارك وتعالى، وجعله نفسه كريما على الإسناد المجازي للمبالغة، ولم يذكروا لتوسيط المغفرة، والظاهر كما قيل تقديمها هنا نكتة، وربما يقال في وجه ذكر هذه الأشياء الثلاثة على هذا الوجه أن الدرجات في مقابلة الأوصاف الثلاثة أعني الوجل والإخلاص والتوكل، ويستأنس له بالجمع والمغفرة في مقابلة إقامة الصلاة ويستأنس له بما ورد في غير ما خبر أن الصلوات مكفرات لما بينها من الخطايا وأنها تنقي الشخص من الذنوب كما ينقى الماء من الدنس، والرزق الكريم بمقابلة الانفاق، والمناسبة في ذلك ظاهرة، وإلى هذا يشير كلام أبي حيان أو يقال: قدم سبحانه الدرجات لأنها بمحض الفضل، وذكر بعدها المغفرة لأنها أهم عندهم من الرزق مع اشتراكهما في كونهما في مقابلة شيء، ويؤيد هذا ما أخرجه ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن زيد أنه قال في الآية: المغفرة بترك الذنوب والرزق الكريم بالأعمال الصالحة فتدبر والله تعالى أعلم بأسرار كلامه كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ أي إخراجا متلبسا به فالباء للملابسة، وقيل: هي سببية أي بسبب الحق الذي وجب عليك وهو الجهاد.

والمراد بالبيت مسكنه صلّى الله عليه وسلّم بالمدينة أو المدينة نفسها لأنها مثواه عليه الصلاة والسلام، وزعم بعضهم أن المراد به مكة وليس بذاك، وإضافة الإخراج إلى الرب سبحانه وتعالى إشارة إلى أنه كان بوحي منه عز وجل، ولا يخفى لطف ذكر الرب وإضافته إلى ضميره صلّى الله عليه وسلّم، والكاف يستدعى مشبها وهو غير مصرح به في الآية وفيه خفاء، ومن هنا اختلفوا في بيانه وكذا في إعرابه على وجوه فاختار بعضهم أنه خبر مبتدأ محذوف هو المشبه أي حالهم هذه في كراهة ما وقع في أمر الأنفال كحال إخراجك من بيتك في كراهتهم له، وإلى هذا يشير كلام الفراء حيث قال: الكاف شبهت هذه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015