تفسير قوله تعالى: (إذ قال لهم أخوهم نوح فاتقوا الله وأطيعون)

قال تعالى: {إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ} [الشعراء:106]، فهنا يعظهم نوح على نبينا وعليه الصلاة والسلام، وهو منهم وهم قومه، فدعا قومه ليلاً ونهاراً كما ذكر الله عز وجل ذلك في سورة نوح، فقال: {رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا} [نوح:5 - 9]، وكل هذا الدعاء من نوح لقومه ليلاً ونهاراً، سراً وجهاراً كان لغاية واحدة وهي: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف:59]، ولكن لم يزدهم دعاؤه هذا إلا فراراً وعناداً وإصراراً على الكفر، كما قال: {فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ} [نوح:6 - 7] أي: يا قوم تعالوا إلى الله ليغفر لكم ذنوبكم، فيدعوهم إلى الله مخبراً لهم أن الله سيغفر لهم، ولكن كان الرد منهم ما قاله تعالى: {جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا} [نوح:7]، وهذه مبالغة في عدم السمع وعدم الاستماع وعدم التنبه لما يقوله نوح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، مع أن الأصل أن الإنسان لا يدخل أصبعه كاملاً في أذنه، وإنما يدخل الأنملة وهي طرف الأصبع، ولكن هذا على وجه المبالغة في عدم تقبلهم سماع دعوة نوح عليه السلام، وإضافة إلى عدم سماعهم للحق كانوا إذا رأوا نوحاً عليه السلام وضعوا ثيابهم على وجوههم؛ حتى لا ينظروا إليه على نبينا وعليه الصلاة والسلام، كما قال تعالى: {وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ} [نوح:7]، وقال تعالى: {وَأَصَرُّوا} [نوح:7] يعني: على كفرهم، {وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا} [نوح:7] أي: استكباراً فضيعاً وشنيعاً، فإذا بهم لا يسمعون ولا يعقلون ولا يتنبهون لما يقوله نوح على نبينا وعليه الصلاة والسلام.

قال الله عز وجل: {إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ} [الشعراء:106] يعني: ألا تتقون الله سبحانه وتعالى، {إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ} [الشعراء:107]، وكل رسول من رب العالمين فهو أمين، أي: مؤتمن على شرع رب العالمين سبحانه، فقد ائتمنني ربي على هذه الشريعة حتى أبلغكم وأدعوكم وأهديكم إلى صراط الله المستقيم، {إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ} [الشعراء:107] يعني: صاحب رسالة من الله عز وجل، قد جئت لكم بشريعة وبرسالة من الله سبحانه، وأنا مؤتمن من لدن ربي سبحانه، {إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ} [الشعراء:107].

وقوله: {أَلا تَتَّقُونَ} [الشعراء:106] مفتوحة الآخرة، أي: ألا تتقون الله سبحانه وتعالى.

قال بعدها: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} [الشعراء:108]، فطاعة الرسول من طاعة الله سبحانه وتعالى، أي: أطيعوني فيما جئت به تكن طاعتكم هذه طاعة لله رب العالمين، وقراءة الجمهور: {وَأَطِيعُونِ} [الشعراء:108]، وقراءة يعقوب: ((وَأَطِيعُونِي)).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015