إن الغرض من ذكر قصة موسى عليه السلام هو تطمين النبي صلى الله عليه وسلم وتثبيته، أي: كما ثبتنا موسى فإننا نثبتك، وكما نصرنا موسى فسننصرك، وكما هزمنا فرعون وجنوده فسنهزم هؤلاء، فاطمئن بذلك، واقرأ هذا القرآن تزدد إيماناً ويقيناً.
قوله: {إِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الشعراء:10] أي: نادى ربنا موسى وهو راجع من مدين متوجهاً إلى طور سيناء، فالله عز وجل جعله يرى في الظلام شجرة من بعيد فيها نار، فلما ذهب إليها وجد في هذه شجرة ناراً فأراد أن يأخذ منها قبساً، فناداه ربه سبحانه وتعالى هنا: {إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى * وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى * إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه:12 - 14]، وأمره الله عز وجل بالتوجه إلى فرعون، فطلب موسى من ربه سبحانه أن يجعل معه أخاه هارون وزيراً، وهنا السياق يذكر ذلك.
((َإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)) من هؤلاء؟ قال: {قَوْمَ فِرْعَوْنَ} [الشعراء:11] والظلم الذي كان فيه فرعون هو الكفر بالله سبحانه، وادعاء الربوبية مع الرب العظيم سبحانه وتعالى، بل إنكار ربوبية رب العالمين، وزعمه ذلك لنفسه، قوله: ((قَوْمَ فِرْعَوْنَ)) وهم القبط الذين كانوا في مصر، فأهل مصر كانوا يسمون بالأقباط، فأمر موسى أن يتوجه إلى فرعون وإلى أهل مصر ليدعوهم إلى الله الرب الخالق سبحانه وتعالى؛ ليعبدوه وحده لا شريك له.
قوله: ((أَلا يَتَّقُونَ)) ربهم سبحانه، قال موسى: {قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ * وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ} [الشعراء:12 - 13]، هنا في هذه القصة اختصر أشياء، وقد ذكرها لنا في سورة طه، فذكر أنه لما جاء إلى هذه الشجرة ناداه ربه سبحانه وتعالى وقال له في خطابه: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى} [طه:17 - 18]، أما هنا فذكر أن موسى لما أمره ربه أن يتوجه إلى فرعون ليدعوه: {قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ} [الشعراء:12] أي: أخاف من فرعون؛ لأنه خرج من مصر بعدما قتل القبطي وهو من أتباع فرعون، قتله موسى وخرج هارباً، وسبب قتْله لأنه كان يختصم ويتشاجر مع رجل من بني إسرائيل، وموسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام لم يقصد قتله، ولم يكن بعد قد نبئ ولا أرسل عليه الصلاة والسلام، بل كان رجلاً من الناس، ولكن الله عز وجل بفضله وبرحمته عفا عنه وغفر له سبحانه، وموسى أراد يخلص الإسرائيلي من القبطي فوكزه بيده وكان قوياً فقتله، فلما قتله استغفر وتاب إلى ربه سبحانه وتعالى، ثم إنه خرج هارباً من فرعون؛ لئلا يقتله بهذا الذي قتله، فقال هنا لربه: {قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ} [الشعراء:12]، وهذه قراءة الجمهور، ويقرأها نافع وأبو جعفر وابن كثير وأبو عمرو: ((إِنِّيَ أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ)) وقوله: (يكذبون) يقرؤها يعقوب: ((أَنْ يُكَذِّبُونِي)).
قوله: {وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ} [الشعراء:13]، فطلب من ربه سبحانه أن يجعل معه أخاه هارون نبياً، فمن الله عز وجل عليه وجعل هارون نبياً مع أخيه موسى.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.