يقول الله سبحانه في صفات عباد الرحمن: {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} [الفرقان:72]، اللغو: هو الكلام اللغو وأفعال اللغو، فعباد الرحمن إذا حضروا مجالس فيها لغو، نزهوا أنفسهم وأكرموها؛ لأن الله عز وجل أعزهم بالإيمان، وبحب الله سبحانه، فهم ينزهون أسماعهم أن تسمع باطلاً، وينزهون ألسنتهم أن تنطق بباطل، وينزهون أبدانهم أن يحضروا مجالس باطل، فهنا قال: ((وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا)) أي: الإنسان المؤمن يكرم نفسه فلا يهينها بالمعصية، يكرم نفسه بالطاعة، ويكرم نفسه بمصاحبه الأخيار، ولا يهين نفسه بمصاحبة الفجار والأشرار، فالإنسان المؤمن يبتعد عن أهل الزور، وعن أهل الخيانة وأهل الكذب وأهل الباطل، لا يرافقهم ولا يجالسهم، فإذا مر بمكان فوجد هذا الزور وهذا الباطل نزه نفسه وأكرمها وابتعد عن ذلك.
يقول المفسرون في ذلك: هو كل ما سقط من قول أو فعل.
يعني: الأفعال الساقطة والأقوال الساقطة، فيدخل فيه الغناء، ويدخل فيه اللهو وتدخل فيه الموسيقى ونحو ذلك، ويدخل في ذلك سفه المشركين وأذاهم للمؤمنين، وذكر النساء وغير ذلك من المنكر.
قال مجاهد: إذا أوذوا صفحوا، يعني: نزهوا أنفسهم عن رد الكلام السيئ بالكلام السيئ، ولكنهم يعفون ويصفحون، قال: وإذا ذكروا النكاح كنوا عنه.
يعني: فألفاظهم ألفاظ رقيقة مهذبة، وليست ألفاظاً فاحشة، فهم لا يتكلمون إلا بالكلام الطيب لا بالكلام البذيء، يكنون عما يستقبح ولا يصرحون به.
قال المفسرون في قوله تعالى: ((وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا)) أي: معرضين منكرين لا يرضونه، ولا يمالئون عليه، ولا يجالسون أهله.
أي: مروا مرور الكرام، ينزهون أنفسهم أن يخوضوا في باطل هؤلاء، فهذا يكون قد أكرم نفسه أن يهينها بمعصية الله سبحانه وتعالى.
وقيل: المعنى: أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إذا وجد منكراً، فمروره بالمنكر بأن ينهى عنه، وأن يأمر بالمعروف، وإذا لم يقدر على ذلك فلا يمر به ولا يجلس معه والله أعلم.
نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة، وأن يجعلنا من عباد الرحمن.
أقول قولي هذا, وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.