كما وجد العلماء مصداق قوله تعالى: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن:19 - 22]، فمن المعلوم عند العرب أن اللؤلؤ والمرجان لا يخرج إلا من البحر المالح فقط، ولذلك كان المفسرون جميعهم عندما يتكلمون عن هذه الآية يقولون: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ} [الرحمن:19]، أي: العذب والمالح، {يَخْرُجُ مِنْهُمَا} [الرحمن:22]، قالوا أي: من أحدهما الذي هو المالح فقط؛ لأن العرب لم يكونوا يعرفوا لؤلؤاً ومرجاناً يخرج إلا من البحر المالح فقط، لكن هذه الدراسات أثبتت أن اللؤلؤ والمرجان يخرج من البحر العذب أيضاً، فقد وجدوا ذلك في نجلترا، واستراليا، وأمريكا، وهي أماكن بعيدة جداً عن العرب لا يعرفها النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك ذكر القرآن في قوله تعالى: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا} [الرحمن:22]، أن اللؤلؤ والمرجان يخرجان من كلا البحرين، فيخرجان من البحر الملح ومن البحر العذب، ولما كان المفسرون يعلمون ذلك فقد قالوا: يخرجان من البحر المالح فقط، وقالوا: إن الآية وإن جاءت على هيئة العموم في البحرين إلا أن المقصود بها الخصوص، ولكن العلماء الآن يقولون: بل يخرج اللؤلؤ والمرجان من البحر العذب كما يخرج من المالح، وصدق الله العظيم حين يخبرنا بذلك قبل ألف وأربعمائة عام فيقول: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن:19 - 21]، أي: بأي نعمة من نعم الله عز وجل تكذبون أيها الإنس! وأيها الجان؟! ثم يقول: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن:22]، وهنا في آية الفرقان: {وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا} [الفرقان:53]، فالبرزخ: المنطقة الحاجزة بين البحرين، وهي منطقة الالتقاء، والأعجب من ذلك وجود مياه جوفية عذبة تحت المحيط وتحت البحر، فإنها عندما تنفجر تلك المياه العذبة من تحت البحر يقوم أهل هذا المكان فيخرجوا من قلب مياه البحار مياه عذبة، وذكروا أن هناك حسبة يعرف بها مكان خروج المياه العذبة، كما ذكروا أيضاً: أنه برزخ مائي وفاصل مائي يفصل بين كل بحرين يلتقيان في مكان واحد سواء في محيط أو في بحر، وتمكنوا من معرفة هذا الفاصل وتحديد ماهية هذا الفاصل، وقالوا: إن هذه المياه العذبة التي تنفجر من داخل البحار أحياناً قد يحدد عمقها، إذ يحسبون ارتفاع البر عن البحر ثم يضربون المسافة الأولى في أربعين فينتج سمك هذه المياه، على أن هذه المياه تظل عذبة محتفظة بخصائصها وإن كانت خارجة من قلب البحر، ويستفاد من هذه المياه العذبة للشرب، (بينهما برزخ لا يبغيان)، فلا يطغى ماء البحر فيملح هذه المياه الجوفية، ولا هذه المياه تستطيع تغيير مياه البحر، وبذلك جعلها رحمة للعالمين.