إذاً: فقد أخبر الله سبحانه أنه يرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته، ورحمة الله عز وجل: هي السحب والمطر الذي ينزل من السماء، والرحمة في هذه الآية خرجت مخرج الغالب، إذ أن الرياح قد تكون خالية من المطر، وقد يكون في هذه الرياح هلاك لبعض الناس، قال سبحانه: {وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا * لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا} [الفرقان:48 - 49]، فأنزل من السماء ماء طهوراً، ولم يقل: ماءً طاهراً؛ لأن الطهور متعدٍ إلى غيره، فهو طاهر في نفسه مطهر لغيره، وهذا هو الفرق بين الماء الطاهر والماء الطهور، فقد يكون الماء طاهراً ولكنه لا يطهر غيره، مثل: الماء المتغير، فنقول: إن الماء الذي خالطه شيء طاهر فأخرجه عن مسمى الماء، وعن كونه ماءً مطلقاً، فإنه يسمى حينئذ: ماءً مخلوطاً بكذا ولا يجوز الوضوء به، ولا ينفع في إزالة النجاسة، بل لا بد أن يكون ماءً مطلقاً، فالله عز وجل ينزل من السماء ماءً رحمةً لعباده، وقد ذكر سبحانه في سورة الأنفال: {لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ} [الأنفال:11].