يقول الإمام القرطبي: فأما الكلب إذا ولغ في الماء فقال مالك: يغسل الإناء سبعاً ولا يتوضأ منها، فقد ثبت في حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات أولاهن بالتراب)، أو قال: (إحداهن بالتراب)، أو قال: (وعفروه الثامنة بالتراب)، فهذا بيان: أنه لا يجوز لك أن تتوضأ بماء شرب منه الكلب، هذا إذا كان ماءً قليلاً في إناء، أما إذا كان ماء في بئر فسؤر الكلب وريقه لا ينجس البئر، إنما ينجس الإناء بذلك؛ لأنه قال: (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم).
أيضاً لو أن الكلب أخذ ثوبك وعضه فإنه ينجس الثوب ويغسل مرةً واحدة فقط، لكن الإناء فقط هو الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بغسله سبع مرات أولاهن بالتراب فهنا أمر بغسل الإناء سبع مرات، فدل على أن هذا الماء ينجس، لكن الإمام مالك ذهب إلى أن الماء طاهر وليس نجساً، ولكن يغسل الإناء سبع مرات تعبداً، هذا قوله رحمه الله، والصواب قول الجمهور: أن هذا دليل على النجاسة.
وجاء في حديث آخر عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب)، وهذا الحديث نص في المسألة (طهور): يعني: التطهير، ولا يكون التطهير إلا من نجاسة، فعلى ذلك يكون ريق الكلب نجساً وليس طاهراً، فإذا ولغ الكلب في الإناء فلا بد من غسل أثر الكلب فيها، فيغسل سبع مرات إحداهن بالتراب، والأفضل أن تكون الأولى بالتراب، وكأن ريق الكلب فيه شيء لا يزول إلا بالتراب، وبعض المحللين الذين حللوا المياه التي شرب منها الكلب وجدوا أنواعاً من الجراثيم لا تزول إلا بالتراب، فقالوا: التراب يزيل هذا الشيء، فسبحان الله! فقد جعل عز وجل التراب عجيباً، ويكفي أن الميت يكون دفنه في التراب، فإنه بعد ذلك يتحلل أثر الميت تماماً من هذا التراب، ولا يكون في التراب شيء منه، فالله عز وجل يخلق ما يشاء، ويخبر سبحانه وتعالى عن الشيء الحق، فالماء طهور والتراب أيضاً طهور عند عدم وجود الماء والله أعلم.
نكتفي بهذا القدر، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.