تفسير قوله تعالى: وعاداً وثمود وأصحاب الرس)

وهنا يذكر لنا عاداً وثمود: {وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا} [الفرقان:38].

يذكر الله عز وجل إشارات في هذه السورة، فنحن نرى أنه في سورة الأعراف مثلاً وفي سورة هود يطيل في ذكر قصصهم، وهنا يشير إشارات إلى هؤلاء، فيقول للنبي صلى الله عليه وسلم: قد كذب قوم نوح فأهلكناهم، وكذب قوم موسى فأهلكناهم، وكذبت عاد فأهلكناهم، وكذبت ثمود فأهلكناهم، وكذب أصحاب الرس فأهلكناهم، وهؤلاء جميعهم يذكرهم الله سبحانه وتعالى مطمئناً للنبي صلى الله عليه وسلم أن الله على كل شيء قدير، وأنه قادرٌ على أن يهلك هؤلاء أيضاً إذا أصروا على عنادهم وتكذيبهم للنبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ} [الفرقان:38]، وثمود يجوز فيها الصرف، ويجوز عدم الصرف فيها؛ فلذلك تقرأ بقراءتين هنا: {وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ} [الفرقان:38].

والقراءة الأخرى: (وَعَادًا وَثَمُودَّاً وَأَصْحَابَ الرَّسِّ)، بالنصب فيها والتنوين.

فقراءة حفص عن عاصم وحمزة ويعقوب أيضاً: {وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ} [الفرقان:38]، وباقي القراء يقرءون: ((وَعَادًا وثموداً وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا)).

فعادٌ أرسل الله عز وجل إليهم هوداً، قال تعالى: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف:65].

ثم ذكرهم بنعم الله عز وجل عليهم، وقال: {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} [الشعراء:128 - 129].

وذكرهم بنعم الله عز وجل عليهم وقال لهم: إن الله عز وجل قد {أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ * وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الشعراء:133 - 135]، ومع ذلك لم يصدقوا، بل كذبوا رسولهم عليه الصلاة السلام، فجاء العذاب من عند رب العالمين فأهلكهم الله سبحانه وتعالى.

وقوله تعالى: {وَثَمُودَ} [الفرقان:38]، أي: قوم صالح، فعاد كانوا في جنوب الجزيرة، يبنهم وبين اليمن، وثمود في شمال الجزيرة بينهم وبين الشام، ففي رحلة الشتاء والصيف يذهبون إلى اليمن ويذهبون إلى الشام، ويمرون على ديار ثمود، ويمرون على قوم عاد، فيعرفون هؤلاء، ويعرفون كيف أهلكهم الله سبحانه.

فقوم صالح الذين كذبوا صالحاً عليه الصلاة والسلام، دعاهم إلى الله، وتنطعوا وطلبوا آية يرونها أمامهم، وكانت الآية التي أرادوها ناقة تخرج من الجبل، فانشق الجبل وخرجت منه ناقة، والناقة معها فصيلها، وآتاهم الله عز وجل هذه الآية، بعد أن أخذ منهم العهود والمواثيق أنهم إن جاءتهم الآية يؤمنون بها، فلما رأوا الآية كادوا يؤمنون، ولكن كاد القوم بعضهم لبعض فإذا بهم يكفرون ويجحدون ويعقرون الناقة، فجاء العذاب من عند رب العالمين سبحانه، فأهلك الجميع بعدما أهلكوا الناقة، وأرادوا قتل نبيهم عليه الصلاة والسلام، فجاءهم العذاب كما عرفنا.

وقوله تعالى: {وَأَصْحَابَ الرَّسِّ} [الفرقان:38]، هم قوم من الأقوام ذكرهم الله عز وجل بهذه الإشارة: أصحاب الرس، وقد ذكر كثير من المفسرين أن أصحاب الرس بمعنى: البئر، فقالوا: هم قوم أرسل الله عز وجل إليهم نبياً فدعاهم إليه، فكذبوه وأخذوه فرسوه في البئر، يعني أخذوه وحطوه في البئر، وأقفلوا عليه البئر، فأهلكهم الله سبحانه وتعالى، وأشار إليهم هنا أنهم أصحاب الرس، قال تعالى: {وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا} [الفرقان:38] أي: قرون كثيرة وأمم عظيمة منهم من قصصهم على النبي ومنهم قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك، وليس كل الأنبياء ولا كل الرسل يذكرهم الله عز وجل، بل الكثيرون جداً جداً من الأنبياء والكثيرون من الرسل لم يذكرهم لنا ربنا سبحانه وتعالى في كتابه، إلا عدداً محصوراً محدوداً لبيان أنه قد وعظ الخلق وأقام عليهم الحجج، وأنه أرسل الرسل عليهم الصلاة والسلام يدعون الأقوام إلى الله، فكذبوا رسل الله فأهلكهم سبحانه، فقوله سبحانه: {وَقُرُونًا} [الفرقان:38]، أي: أمماً {بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا} [الفرقان:38] أي: بين نوح وبين النبي صلى الله عليه وسلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015