تفسير قوله تعالى: (ولقد آتينا موسى الكتاب فدمرناهم تدميراً)

ثم يخبرنا ربنا سبحانه: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا * فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا} [الفرقان:35 - 36].

هذه السورة من السور المكية، ففي السور المكية خصائص معروفة منها: تقرير أمر العقيدة، وتقرير أمر توحيد الله سبحانه وتعالى، والإيمان باليوم الآخر، والإيمان بالجنة والإيمان بالنار، وذكر أهل الجنة وذكر أهل النار، كذلك يقص على نبينا صلى الله عليه وسلم في السور المكية قصص المرسلين عليهم الصلاة والسلام وتكذيب أقوامهم لهم، إما بإطالة واستفاضة، وإما باختصار وتفصيل، فهنا يذكر الله عز وجل إشارات إلى ذلك، فإنك لست وحدك الذي أوذيت في الله سبحانه أو الذي كذبك قومك، بل من قبلك موسى وغيره عليهم الصلاة والسلام، قد كذبهم أقوامهم.

قال الله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} [الفرقان:35]، أي: المعهود المعروف وهو التوراة، وقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا} [الفرقان:35]، أي: جعلنا له معيناً أخاه هارون، دعا موسى ربه سبحانه أن يشد أزره بأخيه، ويجعله معه وزيراً، فاستجاب الله سبحانه وتعالى، لما قال: {هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا * إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا * قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى} [طه:30 - 36]، فاستجاب له ربه سبحانه، وجعل معه أخاه هارون وزيراً.

قال سبحانه: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} [الفرقان:35]، أي: التوراة؛ وقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا} [الفرقان:35]، والوزير بمعنى: المعين والمساعد، أي: فجعلناه معه معيناً ومساعداً يحمل معه أثقال الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى.

قال الله تعالى: {فَقُلْنَا اذْهَبَا} [الفرقان:36]، يأمر الله موسى وهارون: {اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} [الفرقان:36]، أي: اذهبا إلى فرعون وملئه، قال: {فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا} [الفرقان:36].

واختصر القصة جداً هنا في هذه السورة، إشارة فقط إلى أنك إذا كذبك قومك، فليس هذا بجديد، بل هم ينتظرون ما جاء لفرعون وجنوده من عند رب العالمين سبحانه، فقد كذبوا فدمرناهم، وكذلك هؤلاء، إن كذبوا وأعرضوا فنحن نفعل بهم ذلك، أو يرحم سبحانه وتعالى ويفعل ما يشاء، قال: {فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا} [الفرقان:36]، أي: إلى هؤلاء القوم فدعوهم إلى الله سبحانه، فلما كذبوا الرسل دمرناهم تدميراً، وعرفنا كيف أن الله سبحانه أغرق فرعون وجنوده في اليم فكان تدميرهم بإغراقهم وإهلاكهم، فرعون وقول: {آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس:90]، فلم ينفعه إيمانه في وقت غرقه هو ومن معه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015