قال تعالى: {قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ} [الفرقان:15]، وهذا من جمال كتاب رب العالمين أنه عندما يذكر لنا النار، ويكون الإنسان مستشعراً غضب رب العالمين سبحانه، ويستشعر الخوف الذي قد يدفعه إلى أن يظن أنه قد ضاع وأيس من الرحمة، يفتح سبحانه باب الرحمة، ويرينا كما أن هناك نار، فهناك جنة أيضاً، فيجعل الله الإنسان بين الترغيب والترهيب، رهبه وخوفه، ثم رغبه ومناه، قال تعالى: {قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ} [الفرقان:15]، أي: هل هذا الذي هم فيه خير، أم الجنة؟ قال تعالى: {أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ} [الفرقان:15]، أي: جنة الخلود، فأهل النار يدعون بالثبور والهلاك على أنفسهم، وأهل الجنة يلقون فيها تحية وسلاماً، حياة دائمة خالدين فيها، فهم يخلدون فيها ولا يخرجون منها.
نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من أهلها.
فقوله تعالى: {قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ} [الفرقان:15]، أي: هل هذا خير، {أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ} [الفرقان:15]؟ فقد وعد الله عز وجل المتقين الذين اتقوا غضب الله، أن لهم هذه الجنة جزاءً على ما قدموا من عمل، ومصيراً يصلون إليها، فالمصير والنهاية الدخول إلى هذه الجنة، جزاءً بما كسبوا وبما عملوا من أعمال صالحة.
ولهم في هذه الجنة، كما قال تعالى: {لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ} [الفرقان:16]، فكلمة: (ما) من ألفاظ العموم، فكل ما يتمناه الإنسان يجده في الجنة، والله عز وجل يقول لهم: تمنوا، ماذا تريدون؟ فيتمنى أهل الجنة ويتمنون، والله عز وجل يذكرهم، وكذا وكذا، فيتمنون ويذكرهم وكذا وكذا، فيعطيهم سبحانه وتعالى، ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
قال تعالى: {لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ} [الفرقان:16]، هذا الذي هم فيه ليس لزمن محدود يتمتعون به، فالله يطمئنهم، فيقول: وأنتم خالدون فيها، ولن تخرجوا منها أبداً، قال تعالى: {لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا} [الفرقان:16]، أي: كان هذا الأمر على ربك سبحانه وعداً ألزم نفسه به، وأوجبه على نفسه، ولا أحد يوجب على الله عز وجل شيئاً، ولكن هو الذي أوجب على نفسه، فقال: كان هذا الأمر وعداً عليَّ، ((مَسْئُولًا))، أي: الملائكة تسأل ربها، كما قال تعالى: {رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُم وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ ُ} [غافر:8]، فالملائكة تسأل ربها سبحانه: أن يدخل المؤمنين الجنة، والمؤمنون يسألون ربهم سبحانه وتعالى، وقد عرف الله عز وجل المؤمنين جنته؛ حتى يسألوه إياها، فهذا كان وعداً من الله، فقد أمر عباده أن يطلبوا الجنة فسألوه إياها، فبشرهم وأدخلهم جنته، نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من أهل جنته.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.