تفسير قوله تعالى: (والله خلق كل دابة من ماء)

ثم يذكر الله نعمة أخرى من نعمه سبحانه وتعالى كما ذكرنا في الحديث السابق، وهذه النعمة هي الماء، قال تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [النور:45].

قوله: (وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ)، أي: كل ما يدب على الأرض خلقه الله عز وجل من ماء، والله خلق خلقاً كثيراً، فخلق الملائكة وجعلهم من نور، وخلق الجان فجعلهم من نار، وخلق الإنسان والدواب فجعله من ماء، فالله خلق كل ما يدب على الأرض من ماء.

قوله: (فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ) هنا يرينا الله آياته العظيمة سبحانه وتعالى، فهو الخالق وحده لا شريك له، فخلق الخلق وجعل لكل شيء من خلقه قدرة معينة قدره عليها، فمن هذه المخلوقات ما يمشي على بطنه كالثعبان والحية وغيرها، فهذه تمشي على بطنها على الأرض، أو في الماء كالحيتان ونحو ذلك.

قوله: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ)، فهذا الإنسان الذي جعله الله عز وجل يمشي على رجلين، وكرمه سبحانه وتعالى، وشرف يديه فرفعها ولم يجعله كغيره ممن يمشي على يديه، ثم يتناول بها طعامه، ولكن جعل اليدين مرتفعتين، وجعل القدمين على الأرض، فشرف الإنسان وكرمه سبحانه وتعالى.

قوله: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ)، والله يخلق ما لا تعلمون، ولكن هذا الغالب المشاهد، وإن وجدنا من الحشرات ما له أكثر من أربع أرجل، فالله يخلق ما يشاء، ولكن هذا الغالب الذي نراه أمامنا، فلو شاء الله عز وجل لجعل الإنسان يمشي على يديه ورجليه، فأراد أن يريه كيف كرمه سبحانه وتعالى، قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [الإسراء:70] أي: جعلنا الإنسان مكرماً يركب فوق الجمل والخيل ولا يمشي على أربع، ولا يُركب ولكنه يَركب، فكرمه الله سبحانه ليعبده ويشكره، ولو شاء لجعله مثل الحشرات، ولو شاء لجعله مثل الثعابين يمشي على بطنه.

فقد أرانا الله هذه القدرة منه سبحانه حتى نحمده ونشكره سبحانه وتعالى على ما أنعم به علينا، فيقول سبحانه: (يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ) يخلق الله ما يشاء ممن يمشي على رجلين، وممن يمشي على أربع، وممن يمشي على بطنه، وخلق الملائكة تطير بأجنحتها {أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [فاطر:1]، يخلق ما يشاء سبحانه وتعالى.

قوله: (إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فكل شيء قد جعله الله للإنسان عبرة، فيرى آية من آيات الله: وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد فالإنسان يتفكر في كل مخلوقات الله عز وجل التي تدل على بديع صنعها، وعلى أن الخالق واحد، فينظر إلى النملة كيف خلقها الله! وكيف تكسب رزقها! وكيف جعل لها تفكيراً فتعرف كيف تأتي بهذا الطعام! وكيف تخزنه للشتاء! وإذا كانت الحبة التي ستأتي بها لو مكثت إلى الشتاء فستنبت، فيفهمها ربها سبحانه كيف تخرق هذه الحبة حتى لا تنبت ولا تنمو! فجعل فيها قدرة أن تأكل وتبحث عن طعامها، وأن تعيش مع غيرها، فالذي أعطاها هذا الشيء، وأعطى الحيوان من بهائم وغيرها هذه القدرة هو الله سبحانه وتعالى، وأعطى الإنسان ما هو فوق ذلك، فيتفكر الإنسان كيف أن الله جعل لهذه قدرة وجعل لهذه قدرة! أفلا يكون هو القدير على كل شيء سبحانه وتعالى؟! وجعل في هذه حياة وفي هذه حياة، أفلا يكون هو الحي الباقي سبحانه وتعالى؟ فيرينا آيات قدرته سبحانه وبديع صنعته في هذه المخلوقات، لنتفكر أن الذي جعل هذا معجزاً وهذا معجزاً وهذا معجزاً هو الله الواحد القادر على كل شيء سبحانه!

طور بواسطة نورين ميديا © 2015