وأما الكفار فهم في ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ.
وفي قوله: {مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ} [النور:40] ثلاث قراءات: هذه قراءة الجمهور.
وقرأها البزي عن ابن كثير (من فوقه سحاب وظلمات).
وقرأها قنبل عنه (ومن فوقه سحاب ظلماتٍ بعضها فوق بعض) على الإضافة، وكأن المعنى: سحاب فيه ظلمات عظيمة، وهو سحاب الليل أو سحاب الشتاء الذي فيه الظلمة، فهو يستر ضوء الشمس عن الإنسان، أو سحاب من فوقه سحاب.
ثم رجع على البدل من أولها {أَوْ كَظُلُمَاتٍ} [النور:40]، فقال: {سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ} [النور:40]، على البدل من الأول.
قال تعالى: {إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} [النور:40]، إذا أخرج يده في هذه الظلمات لم يكد يرى يده ولو قربها من عينه، وقد لا يرى هذه اليد، فمعناه أنه في ظلمات شديدة.
قال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور:40]، فالنور نور الله سبحانه قال تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [النور:35]، وقال: {يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} [النور:35]، فالمؤمنون أنار الله قلوبهم وأبصارهم وبصائرهم.
فالمؤمن يرى الآيات فيعتبر ويتعظ، والكافر مهما رأى من شيء فلا عبرة ولا اتعاظ، وهو بعيد عن الله سبحانه وتعالى وقد سحب منه النور، فلا نور له.
فمن أراد الله به خيراً أضاء الله قلبه ونورّه فاهتدى، ومن لم يرد الله به خيراً ابتعد عن دين الله سبحانه وتعالى، قال: {مَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور:40]، يهتدي به في ظلماته، ويموت هذا الإنسان على كفره إلا أن يشاء الله به خيراً.
لذلك الإنسان المؤمن الذي يواظب على المجيء إلى بيت الله عز وجل له البشارة العظيمة من كتاب رب العالمين في قوله تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا} [النور:38]، إذاً: فالبشارة في كتاب رب العالمين بالجزاء على أحسن ما عملوا، ويكفر عنهم سيئاتهم سبحانه وتعالى.
والبشارة في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (بشر المشائين في الظلم بالنور التام يوم القيامة).
ففي ظلمات الليل يذهب المؤمن لصلاة المغرب، ولصلاة العشاء في بيت الله رب العالمين.
وفي ظلمة الفجر يذهب المؤمن إلى بيت الله، فيقال له: كما ذهبت في الظلمة وأنار الله قلبك بالإيمان؛ فيوم القيامة ينير لك ويضيء لك موقفك ومكانك، ويضيء لك الصراط، فتمر عليه بفضل الله سبحانه وتعالى وبنور الله.
نسأل الله عز وجل أن ينير لنا طريقنا إليه في الدنيا، وفي قبورنا، ويوم القيامة.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.