جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث أنه قال: (سيكون في آخر الزمان رجال يأتون المساجد فيقعدون فيها حلقاً حلقاً، ذكْرهم) وفي رواية: (إمامهم الدنيا فلا تجالسوهم؛ فإنه ليس لله بهم حاجة)، ذكره الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة، وذكر له شواهد، وصححه أو حسنه.
أي: أنهم جاءوا يتسامرون في المسجد، فيجلسون حلقاً حلقاً يتكلمون في الدنيا وليس في ذكر الله سبحانه وتعالى.
وقوله: (ذكْرهم أو إمامهم الدنيا) بمعنى: ما يأمونه، أي: مقصدهم وذكرهم ليس ذكر الله عز وجل، ولكن يذكرون الدنيا، فيتكلم هذا عن ما عنده في البيت، ويتكلم ذاك بما وراءه من الشغل، وهكذا، فكثير من الناس هذا حالهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
قوله: (فلا تجالسوهم) أي: لا تقعدوا معهم في مثل هذه المجالس، فإذا رأيت شخصاً يحدثك عما صنع بالأمس، أو أنه ذهب إلى مكان كذا، أو بقي له عند فلان كذا، فلا تجلس معه، فإنه يحرمك من الأجر، ومن دعوة الملائكة لك.
والإنسان المؤمن يضن بعمره، ويضن بوقت العبادة أن يضيعه في كلام فارغ لا يؤجر عليه.
فإذا كنت في المسجد فاحرص ألا يلهيك أحد عن ذكر الله عز وجل، وإذا وجدت نفسك جالساً تسبح الله بعد الصلاة، وتريد أن تقرأ آية الكرسي والمعوذات، وجاء أحدهم يريد أن يتكلم معك ويشغلك فلا ترد عليه، وقل له: اصبر حتى اختم الصلاة؛ لأن كثيراً من الناس يحب أن يضيع وقته بالكلام، فإذا وجدك في الشارع، أو في المسجد تكلم معك، فاحرص على ألا تضيع وقت العبادة معه.
إن الذي يأتي ليتكلم معك في أمور الدنيا قد ضيع عليك أجراً عظيماً، فآية الكرسي التي تقرأ عقب الصلاة يقول فيها النبي صلى الله عليه وسلم: (من قرأ آية الكرسي دبر الصلاة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت) أي: أنك إذا صليت الفريضة، وقرأت آية الكرسي ثم مت، دخلت الجنة، فالذي يأتي ليكلمك عن أمور الدنيا في هذا الوقت فإنه يحرمك من هذا الثواب، فلا يستحق الجواب، إلى أن تختم الصلاة، وتختم بهذه الأذكار التي علمنا إياها النبي صلى الله عليه وسلم، فينبغي على الإنسان ألا يفرط في وقته أو وقت غيره.
وكثير من الناس يقولون: إنهم مشغولون وورائهم أعمال مهمة، فيصلي مستعجلاً ويترك الأذكار، فإذا خرج وقف على باب المسجد يحدث هذا ويتكلم مع ذاك، فينشغل عن ذكر الله عز وجل، وعن التسبيح والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بكلام هذا وذاك، وبأشياء له عنها مندوحة أن يتركها.
إن العمر لا يعوض، واليوم الذي يمضي من الإنسان لا يعود إليه، واليوم قد يقدر الإنسان على شيء، ولا يقدر عليه غداً، فليحرص على أن يأخذ من الدنيا أعظم ما فيها وهو ذكر الله سبحانه وتعالى وطاعته.