قال صلى الله عليه وسلم: (فإذا دخل المسجد كان في صلاة ما كانت الصلاة هي تحبسه) فمن حين أن يدخل بيت الله عز وجل فهو في صلاة حتى يخرج.
وفي هذا الحديث يخبرنا صلى الله عليه وسلم وهو يرى ما لا نرى، ويعلم ما لا نعلم، صلوات الله وسلامه عليه، حيث يقول: (والملائكة يصلون على أحدكم)، وهناك فرق بين: يصلون عليكم، وقوله: يصلون على أحدكم، فمعنى يصلون عليكم أي: على الجميع، فتكون الصلاة على جميع الموجودين، فقد ينال البعض منها الكثير وينال البعض القليل، ولا ينال البعض الآخر، ولكنه قال: (يصلون على أحدكم) أي: على كل واحد منكم، وكل واحد تختصه الملائكة بالصلاة عليه، فتدعو له، وجميع الموجودين في المسجد ينالهم الخير العظيم، وتنالهم دعوات الملائكة الكرام عليهم السلام.
قال: (يصلون على أحدكم) أي: يدعون لأحدكم، (ما دام في مجلسه الذي صلى فيه، يقولون: اللهم ارحمه، اللهم اغفر له، اللهم تب عليه) وهذه دعوات عظيمة، والواحد منا إذا وجد أحد الصالحين فإنه يقول له: ادع لي، فالملائكة هنا تدعوا للعبد دعاء مستجاباً من فضل الله وكرمه سبحانه وتعالى، ولن تخص أحداً دون الآخر، بل تدعوا للجميع واحداً واحداً، فتقول لكل واحد من القادمين إلى بيت الله عز وجل: (اللهم ارحمه) تدعو لهم بالرحمة.
(اللهم اغفر له) تدعو له بالمغفرة.
(اللهم تب عليه) تدعو له بالتوبة، فإذا كان مذنباً تاب الله عز وجل عليه، وغفر له ورحمه، وإذا تاب الله عليه وغفر له ورحمه، فقد فاز بجنة الله عز وجل ورضاه سبحانه.
فهذه الدعوات، وهذا الجزاء العظيم يناله بشرط أن يأتي إلى المسجد لا ينهزه إلا الصلاة، أي: أنه جاء من بيته متطهراً من أجل الصلاة، ثم قيد الحصول على تلك الفضيلة بقيدين في آخر الحديث، فقال صلى الله عليه وسلم: (ما لم يؤذ فيه، ما لم يحدث فيه)، فالمؤذي أذاه في كل مكان، فإذا كان في المسجد آذى نفسه بأذاه لغيره، فإذا آذى أحداً من الناس: بغيبة، أو بنميمة، أو بلمز، أو برفع صوت، أو بشتم، أو بسب، أو بأي نوع من أنواع الأذى باليد أو باللسان، فلا يستحق ذلك الجزاء العظيم، حتى وإن كان جاء للصلاة ولم ينهزه إلا الصلاة.
والقيد الآخر: قوله صلى الله عليه وسلم: (ما لم يحدث فيه)، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد)، وقال صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) أي: مردود عليه، إذاً: فقوله: (ما لم يحدث فيه) أي: ما لم يبتدع في بيت الله سبحانه وتعالى.
فإذا لم يؤذ أحداً من الناس، ولم يبتدع في دين الله سبحانه وتعالى، فقد استحق هذا الأجر العظيم الذي جاء في الحديث.
وقد سئل أبو هريرة عن معنى الحدث؟ ففسره ببعض معنى الحدث، وقال: (ما لم يحدث) أي: يفسو أو يضرط، بمعنى: خروج الحدث منه، وهذا معنى صحيح أيضاً، ولكن الحديث المرفوع للنبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما لم يؤذ فيه، ما لم يحدث فيه)، ولم يزد على ذلك صلوات الله وسلامه عليه.
فهذا تفسير من الراوي، وهو: أبو هريرة رضي الله عنه، وهو من أعلم الناس بحديث النبي صلى الله عليه وسلم ومعناه، فذكر بعض معاني الحدث، ومن ضمن الإحداث في المسجد: أن يبتدع الإنسان بدعة في دين الله، وهذا فسره قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد).
ومن ضمن الإحداث، بمعنى: الحدث: أن يجلس في المسجد على غير وضوء، فمن توضأ وجلس في المسجد نال من الأجر وكأنه في صلاة، وذلك من حين أن يدخل المسجد إلى أن يخرج، حتى ولو كان جالساً في سهو أو يتفكر، فإذا كان على وضوء ناله هذا الأجر كله.
فينبغي على المسلم أن ينتهز فرصة وجوده في المسجد بأن يكون على وضوء، وأن يكثر من ذكر الله سبحانه، وألا يلغو وهو في بيت الله سبحانه وتعالى.