وإذا كان الخطيب يخطب فليصل ركعتين وليتجوز فيهما، حتى يدرك الخطبة ولا يضيع على نفسه واجباً، فإن ضيع بعضها فلن يضيع الكثير، ويجب عليه ألا يطيل في تحية المسجد، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (صل ركعتين وتجوز فيهما)، فأمر بالتجوز في ذلك.
وقال صلى الله عليه وسلم في صلاة تحية المسجد هنا: (فلا يجلس حتى يصلي ركعتين).
ولو أن الإنسان دخل المسجد فسمع شيئاً ينشغل به عن تحية المسجد كسماعه للأذان، فإنه يجوز له أن يصلي تحية المسجد ثم يدرك ترديد ما بقي من الأذان، والأفضل أن ينتظر حتى يردد الأذان مع المؤذن ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو، ثم بعد ذلك يصلي تحية المسجد؛ لما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (إذا سمع أحدكم المؤذن فليقل مثلما يقول، ثم يصلي علي، ثم ليسأل الله لي الوسيلة، فإنها منزلة لا تنبغي إلا لعبد واحد وأرجو أن أكون أنا هو)، صلوات الله وسلامه عليه.
ولو أن الإنسان دخل المسجد فهل يبدأ بالسلام على الناس أم بتحية المسجد أولاً؟ الصواب فيها: هو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)، فنهى عن الجلوس حتى يصلي ركعتين، فيجوز له أن يسلم على الناس إذا دخل لقول الله سبحانه: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} [النور:61]، فإذا دخل الإنسان المسجد بدأ فسلم على الناس، ثم صلى ركعتي تحية المسجد، والتسليم لن يأخذ منه وقتاً، ولن يجلس ليسلم على الناس، والنهي في الأصل ليس عن التسليم وإنما النهي عن الجلوس فقط حتى يصلي ركعتين، ونحن نقول هذا الكلام لأن بعض إخواننا يسأل عن ذلك.
وأما تسمية هذه الصلاة: بتحية المسجد فلم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث فيه كلمة تحية المسجد، أو أنه سمى هذه الصلاة: تحية المسجد، ولكنه قال: (فليصل ركعتين)، فهذا ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم، لكن الفقهاء سموها: تحية المسجد، فالشاهد: أن من قال: إنه يمنع السلام على الناس حتى يبدأ بتحية المسجد فقد أخطأ، وقد قال الله عز وجل: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا} [النور:61]، فجاء بالفاء المفيدة للترتيب والتعقيب مباشرة، فإذا وجدت المسلم أمامك فسلم، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالسلام على المسلمين، فإذا وجدت المسلم في طريقك أو في مسجدك أو في أي مكان فابدأه بالسلام، حتى إنه يشرع السلام إذا فرق بينك وبينه شيء من جدار أو شجرة أو نحوه، وتسلم عليه أيضاً إذا التقيتما بعد ذلك، ولا ينبغي لي أن أدخل المسجد والناس أمامي يقابلوني ثم لا أسلم على أحد حتى أصلي ركعتين وبعد ذلك أتوجه إلى الجميع بالسلام، فلم يقل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يقل ذلك أحد من أهل العلم، وإنما الصواب: أنه يسلم على من لقيه في المسجد أو في غيره، ثم يصلي تحية المسجد بعد ذلك.
وقد نبهنا قبل ذلك: على أنك إذا جئت والإمام يخطب ودخلت المسجد فلا بد عليك أن تصلي ركعتين ثم تجلس، ولا ينبغي أن تلقي السلام على أحد والخطيب يخطب، فالواجب عليك أن تستمع الخطبة فقط، وكلامنا هنا: هو في إلقاء السلام على الناس إذا لم يوجد ما يمنع من الكلام، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من قال لصاحبه: أنصت! والإمام يخطب فقد لغا).
وفي حديث آخر: (ومن لغا فلا جمعة له)، والإنسان إما أن يتكلم لحاجة أو لغير حاجة، كأن يقطع كلام الخطيب ويكلم الناس، أو يعطس الإنسان فيرفع صوته بالحمدلة، فيجيبه أحدهم بصوت مرتفع فيقول: يرحمك الله، فيرد عليه، فهذا كله لا ينبغي في أثناء الخطبة، لكن إذا عطست والخطيب يخطب فقل: الحمد لله في سرك، ولا ترفع بها صوتك، وإذا رفعت صوتك وقلت: الحمد لله، فلا ينبغي لأحد أن يشمتك إلا إذا سكت الخطيب، فيقول: يرحمك الله؛ حتى لا يكون هناك كلام في أثناء الخطبة، فإن من تكلم في أثنائها فقد لغا، ومن لغا فقد ضيع على نفسه صلاة الجمعة، لكن إذا كان الإنسان خارج المسجد فلا تحية عليه حينئذ، فلا توحد تحية للشارع مثلاً، فإذا جاء والخطيب يخطب وهو في الشارع، فليجلس في الشارع، لكن هل يجوز له أن يسلم على الناس ويرفع صوته مدِّعياً أنه في غير مسجد؟ لا؛ لأن للشارع حكم المسجد في السماع؛ لأنه يسمع الخطيب، فيلزمه أن يستمع للخطبة كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.