جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة يذكر فيها آداب المساجد، وأشياء لا يجوز للإنسان أن يفعلها داخل المسجد، فمن ذلك ما جاء في الحديث: (أن رجلاً من الصحابة كان يصلي -وهو يجهل عدم جواز الكلام في الصلاة- فإذا برجل بجواره يعطس في الصلاة، فقال: الحمد الله، فقال: يرحمك الله -فتكلم في الصلاة-، فلما قال ذلك نظر إليه الناس -فكأنه هش لما نظر إليه الناس- فقال: ما لكم تنظرون إلي؟ فضرب الناس بأيديهم على أفخاذهم، فسكت بعد أن كاد يتكلم)، وبعد الصلاة توقع من النبي صلى الله عليه وسلم أن ينهره أو يزجره، فما كان منه صلى الله عليه وسلم إلا أن قال له: (إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن).
فالإنسان وهو يصلي سواء في المسجد أو في غير المسجد لا يجوز له أن يتكلم بكلام أهل الدنيا، فإذا كان في بيت الله جالساً ينتظر الصلاة فهو في صلاة، فينبغي عليه أن يكون على هيئة الذي يبتغي الفضل والأجر من الله عز وجل على جلوسه، فلا ينشغل بكلام الدنيا، ولا بالمسامرة مع الناس.
يقول الإمام القرطبي رحمه الله: وأما رفع الصوت في المسجد فإن كان مما يقتضي مصلحة للرافع صوته دعي عليه بنقيض قصده، والمعنى: أنه إن رفع صوته في غير صلاة مكتوبة جهرية مثلاً، أو في غير تعليم الناس العلم، وإنما لمصلحة خالصة، كأن ينادي: ضاع مني كذا، أو من يشتري كذا، أو غيره من المصالح الخاصة، فهذا يدعى عليه بنقيض قصده، أي: بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لمن سمع من ينشد ضالة في المسجد: (فليقل لا ردها الله عليك، فإن المساجد لم تبن لهذا).