وجاء في صحيح مسلم عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات، فقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله عز وجل لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور -وفي رواية: النار- لو كشفه لأحرق سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه).
فالله عز وجل من صفاته سبحانه وتعالى وكماله وجماله أنه لا ينام، وإذا كان أهل الجنة لا ينامون، والنبي صلى الله عليه وسلم تكلم عن ذلك فقال: (النوم أخو الموت) فالنوم دليل على أن الإنسان متعب، فيستريح بالنوم، وأهل الجنة لا يتعبون أصلاً، فالجنة لا تعب فيها ولا شقاء ولا نصب، والنوم في الجنة يضيع على المؤمنين جزءاً من استمتاعهم بالشهوات فيها، وبما أباحه الله عز وجل وجل لهم، وما أعطاهم من إكرام.
ولا موت بعد الموتة الأولى، فإذا كان هذا في الإنسان المخلوق، فإذا دخل الجنة فالله عز وجل لا يجعله ينام إكراماً من الله عز وجل لعبده، فكيف يجعل في عبده صفة ويكون هو سبحانه وتعالى على خلاف ذلك! فالله له الكمال سبحانه وتعالى، فالله لا ينام أبداً، فإن النوم أخو الموت، فلا يظن أبداً بالله عز وجل أن يكون فيه هذا النقص.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (يخفض القسط ويرفعه) فهنا ميزان الله عز وجل العدل، فيفعل ما يشاء ويحكم بما يريد، فيعطي من يشاء، ويمنع من يشاء، يخفض ويرفع، يعز ويذل، ويفعل ببعض عباده شيئاً ويفعل بغيرهم شيئاً آخر خلاف ذلك، وكل هذا مقتضى حكمته سبحانه وتعالى.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل)، معناه: أن الأعمال كلها تصعد إلى الله عز وجل ولا يتأخر منها شيء، والإنسان لما تأتيه أشياء فإنه يأخذ بالأول فالأول؛ لأنه لا يقدر على أن يأخذ الجميع مرة واحدة، ولله عز وجل المثل الأعلى، فكل شيء يصعد إليه فهو يعلم كل شيء سبحانه وتعالى، فالأعمال تتسابق ارتفاعاً إليه سبحانه، وهو مطلع على الجميع سبحانه وتعالى قبل صعودها إليه بل قبل أن يفعله الخلق.