قال الله تعالى: {لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الأنبياء:39].
وفي هذه الآية شرط، ولم يأتي بجوابه؛ لنتخيله نحن.
قال تعالى: {لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ} [الأنبياء:39]، ولو علموا فمستحيل أن يتمنوا ذلك اليوم، ولخافوا وذعروا وارتعبوا ولآمنوا.
وهذا هو الجواب الذي سيكون لهذا الشرط، أي: لو يعلمون ذلك لآمنوا.
فلو علموا علم اليقين ورأوا هذا الشيء أمامهم ماثلاً يوم القيامة ورأوا العذاب لقالوا: آمنا، ويندمون ولا ينفعهم ندمهم.
قال تعالى: {لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ} [الأنبياء:39].
ويكفون من كف الشيء، يعني: يستخدم كفه في صده وكفه، ومنه: يتكفف الناس، ويستكف الناس، يعني: يطلب من الناس بكفه.
فالإنسان عندما تأتي عليه مصيبة أو تأتي عليه نار أو يأتي عليه شيء فإنه يدفعه ويكفه بيده قال تعالى عن أهل النار: ((حين لا يكفون عن وجوههم عن النار))؛ لأن أيديهم فيها السلاسل والأغلال.
فعندما تأتي النار على وجوههم لا يقدرون على صدها ومنعها عن أنفسهم شيئاً.
ففي الدنيا يطفئ الإنسان النار بيده، وأما في يوم القيامة فلا يقدر على ذلك، قال تعالى: {حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ} [الأنبياء:39].
وذكر الوجوه والظهور؛ لأنهم كانوا يكلحون بوجوههم للنبي صلى الله عليه وسلم، فإذا نظروا إليه نظروا إليه بغضب، ويكلحون في وجهه، ثم يعترضون عليه ويعطونه ظهورهم، فلا يؤمنون ولا يصدقون.
فقد كان الكافر عندما يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقابله بوجه عبوس، فيوم القيامة تأكل النار وجه هذا الإنسان الذي عبس به للنبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا، وأعطى النبي صلى الله عليه وسلم ظهره، واتخذ هذا القرآن مهجوراً، وجعله وراءه ظهرياً.
فهم بدلاً من أن يعطوه وجهاً حسناً، ويطلبون العلم منه، ويتعلمون هذا الدين العظيم أعرضوا، فكان جزاؤهم أن النار تأكل وجوههم وظهورهم وأبدانهم.
قال الله سبحانه: {وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ} [الأنبياء:39].
فلا هو يقدر أن يكف النار عن نفسه بيده، ولا أحد من الناس يغيثه وينصره ويأخذ ما به من نار وغيرها.
فيوم القيامة يصرخ هذا الإنسان، ولا أحد يجيره وينصره من الله سبحانه تبارك وتعالى، قال تعالى: {لا يَكُفُّونَ} [الأنبياء:39]، أي: لا يستطيع هو أن يزيل هذه النار، ولا أحد ينصره.
قال تعالى: ((بَلْ تَأْتِيهِمْ))، أي: الساعة {بَغْتَةً} [الأنبياء:40]، وإن لم تكن القيامة فستأتيهم ساعتهم بغتة.
وساعة الكافر وقت خروج روحه، فيرى ملائكة الجحيم، سود الوجوه، ومعهم مسوح من النار، وحنوط من النار، وأكفان من النار، ويقولون: اخرجي يا روح الكافر.
فيرتعد هذا الإنسان الكافر فتتفرق الروح في جسده من شدة الرعب، فينتزعها الملك كما ينتزع السفود من الصوف المبلول، فتتمزق وتتقطع منه العروق والعصب، كما يشبهها النبي صلى الله عليه وسلم بانتزاع السفود الذي هو مليء بالشوك من الصوف المبلول.
فإذا جاءت ساعتهم ((بغتة))، أي: فجأة {فَتَبْهَتُهُمْ} [الأنبياء:40] أي: تصدمهم الساعة حين تأتيهم.
والبهت: الشيء المفاجئ الذي يدهش ويحير الإنسان، فيجلس محتاراً لا يعرف رأسه من رجليه.
فكذلك هؤلاء تأتيهم الساعة، أي: يوم القيامة.
أو تأتيهم الساعة يعني: يومهم وميقاتهم وموعدهم وموتهم، فإذا بهم مبهوتون متحيرون لا يقدرون أن يعملوا شيئاً، كالإنسان المبهوت يجلس متحيراً، فاتحاً فاه لا يعرف يتكلم بشيء، ولا يقدر أن يدفع عن نفسه، فكذلك هؤلاء تأتيهم الساعة فجأة من حيث لا يحتسبون ولا يظنون.
{فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلا هُمْ يُنظَرُونَ} [الأنبياء:40]، أي: فلا يستطيعون رد الساعة.
{وَلا هُمْ يُنظَرُونَ} [الأنبياء:40]، أي: لا يمهلون، فلا يوجد تأخير ولا إمهال ولا توبة ولا غيرها.