ثم أدب المؤمنين فقال: {لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا} [النور:12].
قوله: ((بِأَنفُسِهِمْ)) تحتمل وجهين: ظن كل إنسان بنفسه الخير، وأنه لا يتكلم بمثل هذه المقالة التي هي محض من الشر، فعلى ذلك الظن الخير إني أحسن الظن فيمن قيل عنه هذا الشيء، فيظن المؤمنون والمؤمنات بعضهم في بعض الخير.
قال تعالى: ((ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا)) أي: ظن بعضهم في بعض الخير، أو استحضروا ظن الخير في أنفسهم فقاسوا غيرهم على أنفسهم، فقد جاء أن أبا أيوب الأنصاري رضي الله تبارك وتعالى عنه لما سمع ذلك ذهب إلى امرأته وسألها، فقالت له: يا أبا أيوب أسمعت ما قيل في عائشة رضي الله عنها؟ فقال: نعم، وذلك كذب، أكنت يا أم أيوب تفعلين ذلك؟ فهنا ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً، فقالت: لا والله، قال: فـ عائشة أفضل منك لا تفعل هذا الشيء.
فهنا لو أن كل الناس كانوا كـ أبي أيوب الأنصاري لأخمد الأمر من أوله، وما كان أحد قال هذا الشيء.
فربنا يؤدب المؤمنين لماذا ما قلتم كما قال أبو أيوب الأنصاري، وظننتم الخير في أنفسكم وقستم عائشة على أنفسكم، فهي أفضل منكم، وهي أم المؤمنين، فإذا كان أحدكم يأنف أن تقع امرأته في ذلك فهل يظن بالسيدة عائشة أن تقع في مثل ذلك!! قال تعالى: {وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ} [النور:12] (الإفك) أعظم الكذب، و (مبين) يعني: بيِّن واضح، فهذا كذب بين واضح.
يقول العلماء: إن هذه الآية أصل في أن درجة الإيمان التي حازها الإنسان، ومنزلة الصلاح التي حلها المؤمن، ولبسة العفاف التي يستتر بها المسلم، لا يزيلها عنه خبر محتمل وإن شاع إذا كان أصله فاسداً أو مجهولاً.
والمعنى: أن الإنسان المؤمن إذا قال: لا إله إلا الله فتحلى بهذه الكلمة فهو معصوم الدم والعرض والمال، هذا الأصل.
فالإنسان طالما أنه مسلم، فالأصل أنه صالح، والأصل أنه عفيف، فهذه أصول لا نزول عنها، ولا نبتعد عنها إلا بشيء يقيني، وعلى ذلك فمهما جاء من كلام: فلان يعمل كذا، فلا يصدق فيه إلا أن يأتي اليقين أنه فعلاً فعل هذا الشيء، فيقيننا لا يزول عن هذا الوصف الذي هو عليه حتى يثبت الشيء الآخر عليه بدليل يقيني.