ومن المسائل أيضاً: يقول الإمام القرطبي رحمه الله: يلاعن في النكاح الفاسد؛ لأن النكاح إما أن يكون صحيحاً أو فاسداً، أما السفاح فليس نكاحاً بلا خلاف بين العلماء، وهذا مثل نكاح المتعة، وهو أن يتزوج الرجل المرأة يوماً أو يومين ثم يطلقها من دون ولي ولا شهود، وهذا النكاح كان موجوداً في أيام الجاهلية ثم وجد في الإسلام ثم نسخ وأزيل، والآن موجود عند الشيعة، فهذا من قبيل الزنا، والنكاح باطل في الأصل، لكن النكاح الفاسد: هو الذي فقد بعضاً من الشروط التي اختلف فيها العلماء.
وقد جاء في الحديث: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل)، فإذا جاء بولي دون الشهود واكتفوا بإعلان النكاح، فعند بعض العلماء: أنه يكفي ذلك ويغني عن الشهود، وعند البعض: أنه لا بد من شاهدي عدل في ذلك، وأما الإعلام فهو من ضمن الواجبات في ذلك، فهذا النكاح على هذه الصورة يصير فاسداً عند من اشترط الولي والشاهدين، فهو نكاح وإن وصف بالفساد، لكن لو رمى الرجل امرأته بالزنا وكان نكاحهما فاسداً فإن له أن يلاعنها؛ لأن الفساد لا يخرج النكاح عن مسماه في الأصل.
واختلفوا فيما لو أبى الرجل أن يلاعن امرأته بعد رميه لها بالزنا هل يحد أم لا؟ فقال الإمام أبو حنيفة رحمه الله: لا حد عليه؛ لأن الله تعالى جعل على الأجنبي حداً وعلى الزوج اللعان، وهذا خطأ، بل الصواب أن الحد يقع على الاثنين معاً؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لـ هلال بن أمية: (البينة، وإلا حد في ظهرك)، فلما نزلت آية اللعان أمره بالملاعنة بدلاً عن الحد، فيسقط الحد بالملاعنة؛ ولذلك قال الإمام مالك، والشافعي، وأحمد وجمهور العلماء: إذا لم يلتعن الزوج حُدّ؛ لأن اللعان براءة كالشهود للأجنبي، وفي حديث العجلاني وهو عويمر ما يدل على ذلك، وهو قوله في الحديث: (إن سكت سكت على غيظ، وإن قتلت قتلت، وإن نطقت جلدت أو أقيم علي الحد).
فالراجح: أن الإنسان إذا رمى امرأته بهذه الجريمة فإنه يقام عليه الحد إلا أن يأتي بشهود، أو يلتعن مع المرأة.