ففيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يأتي بالمرأة إلى مجلسه صلى الله عليه وسلم حتى يفصل بينهما، وهذا يدل على أن الملاعنة تكون عند القاضي أو الحاكم، وليس بين المرأة وزوجها.
قال سهل: فتلاعنا وأنا مع الناس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما فرغا قال عويمر: كذبت عليها يا رسول الله! إن أمسكتها)، وهذه رواية الإمام مسلم، قال: (فطلقَها ثلاثاً قبل أن يأمره النبي صلى الله عليه وسلم).
قال ابن شهاب الزهري راوي الحديث: فكانت سنة المتلاعنين.
يعني: التفريق بين الاثنين، وأخذ جمهور أهل العلم من هذا الحديث: أن طلاق الثلاث يقع ثلاثاً، وليس ذلك بحجة في هذا الحديث؛ لأن التفريق هنا ليس بطلاق، وإنما حصل هذا من النبي صلى الله عليه وسلم، فالفرقة حصلت بالملاعنة، وبإمضاء النبي صلى الله عليه وسلم لها، وبتفريقه بينهما، ثم طلاق الثلاث لا يحرم مطلقاً، فإنه يجوز له أن ينكحها إذا نكحت هي زوجاً غيره، لكن الملاعنة تفريق نهائي إلى الأبد.
وفي رواية أخرى لهذا الحديث قال: (وكان فراقه إياها بعدُ سنة في المتلاعنين)، وفيه قال سهل: (فكانت حاملاً)، أي: أن زوجة عويمر كانت حاملاً، فكان ابنها ينسب لأمه فقط، ثم جرت السنة أنه يرثها وترث منه ما فرض الله لها، وأن الزاني بها لا يرث؛ لأنه أب غير شرعي، فالأم ترث منه بالفرض، فإذا لم يوجد لهذا الابن من الزنا أحد يرثه من عصبات ونحوهم ففي هذه الحالة ترث الأم الفرض منه، وترث ما تبقى من الإرث تعصيباً، وهذه هي الصورة الوحيدة التي ترث فيها الأم جميع الميراث.
وفي رواية أخرى: في صحيح مسلم أيضاً قال: (فتلاعنا في المسجد وأنا شاهد) أي: تمت الملاعنة بحضور النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد، وكأن عظمة المسجد تمنعهما من الكذب خاصة مع هذه الأيمان المغلظة، قال: (فتلاعنا في المسجد وأنا شاهد).
وفي الحديث: (فطلقها ثلاثاً قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم)، ففارقها عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ذاكم التفريق بين كل متلاعنين).
فهذه قصة أخرى من القصص التي حدثت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وقد نزلت الآية بسبب قصة هلال بن أمية لما رمى امرأته بـ شريك بن سحماء، وكأن بين القصتين وقتاً بسيطاً وقليلاً بحيث إن عويمراً لم يعرف شيئاً عن نزول هذه الآية؛ ولذلك ذهب ليسأل النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك.