قوله تعالى: {وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا} [النور:3] أي: لا يطأها {إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [النور:3].
قالوا: نزلت هذه الآية لسبب، وهو ما رواه أبو داود والترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: (أن مرثد بن أبي مرثد كان يحمل الأسرى بمكة، وكان بمكة بغي يقال لها: عناق)، كان هذا الرجل الذي هو مرثد بن أبي مرثد يأخذ الأسرى الموجودين في مكة من المسلمين ويهربهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا عمل جليل من هذا الرجل، وكان لهذا الرجل امرأة بغي وهي صديقة له، وهذه المرأة كانت تعينه وتساعده في خطف الأسرى حتى يأخذهم ويهرب بهم إلى خارج مكة.
فالرجل أراد أن يتجمل مع هذه المرأة فسأل النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: (يا رسول الله! أنكح عناقاً؟) أي: أأتزوج هذه المرأة التي خدمتني كثيراً في هذا الأمر؟ فكان الجواب (أن النبي صلى الله عليه وسلم سكت، حتى أنزل الله سبحانه وتعالى: {وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} [النور:3])، وهذه المرأة لم تكن قد تابت بعد من الزنا، بل كانت ما زالت على زناها، ومعروفة بالبغاء، ولكن كانت تساعده في تهريب الأسرى، فهنا الفعل الذي فعلته المرأة وإن كان فعلاً حسناً حيث أعانته في تهريب المسلمين إلا أنها كانت زانية، فلا يحل له أن يتزوج هذه المرأة الزانية، فنزلت الآية: {وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} [النور:3] يعني: في حال زناه.
قال: (فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأها علي وقال: لا تنكحها)، هذا لفظ أبي داود، وجاء في الترمذي بأطول من ذلك.
فقال أكثر أهل العلم: إن عناقاً كانت كافرة ولم تكن مسلمة، وكانت فاجرة بغي، فهذا الرجل لما أراد أن يتزوجها منع من ذلك؛ لأنها كافرة وأيضاً لكونها زانية، فوصفت بأنها زانية، وقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تنكحها).