جاء عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (يؤخذ بيد العبد أو الأمة يوم القيامة فينصب على رءوس الأولين والآخرين، ثم ينادي مناد: هذا فلان بن فلان، من كان له حق فليأت إلى حقه، فتفرح المرأة أن يدور لها الحق على أبيها أو على أخيها أو على زوجها)، وقد كان الناس في الدنيا كل منهم يقول للآخر: أفديك بكل شيء عندي، لكن هذا الكلام يوم القيامة يذهب، فإذا بالمرأة تفرح أن يكون لها على أبيها حق، فتأخذ من حسناته، وكذلك الحال في زوجها.
ثم قرأ ابن مسعود: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ} [المؤمنون:101]، أي: ينسى كل إنسان أن هذا أبوه أو هذا أخوه أو هذا ابنه، فهو يريد أن يأخذ حسنات من أي إنسان لكي يفلت من العذاب ويدخل الجنة.
ثم قال ابن مسعود: فيقول الرب سبحانه وتعالى: آت هؤلاء حقوقهم، فيقول الإنسان: يا رب! قد فنيت الدنيا فمن أين آتيهم به؟ فيقول الرب للملائكة: خذوا من حسناته، فأعطوا كل إنسان بقدر طلبته -فوزعت هذه الحسنات على هؤلاء- فإن كان هذا الإنسان الذي يؤخذ من حسناته ولياً لله عز وجل في الدنيا ففضلت من حسناته مثقال حبة من خردل، ضاعفها الله تعالى له حتى يدخله بها الجنة، وهذا من فضل الله العظيم سبحانه وتعالى، أي: أنه إذا فضلت وبقيت من حسنات هذا الإنسان أشياء يسيرة فإن الله عز وجل يضاعفها، وتلا ابن مسعود رضي الله تبارك وتعالى عنه هذه الآية: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء:40]، فيضاعف الله له هذه الحسنة حتى يستحق بها أن يدخل الجنة، قال: (وإن كان عبداً شقياً قالت الملائكة: رب! فنيت حسناته) أي: انتهت حين وزعت على هؤلاء الذين ظلمهم، وبقي آخرون يطالبونه بحقوقهم، (فيقول الله تعالى: خذوا من سيئاتهم فأضيفوها إلى سيئاته، يعني: خذوا من سيئات هؤلاء المظلومين وأضيفوها على سيئاته حتى يعذب بها بدلاً عن هؤلاء الذين ظلمهم، قال: (وصكوا له صكاً إلى جهنم)، والعياذ بالله.
ولذلك فينبغي للإنسان المؤمن أن يكون ضنيناً بحسناته أن يضيعها، فلا يقع في غيبة أو نميمة، أو زور وبهتان، ولا يظلم أحداً من الخلق فيظلم نفسه، فإن الحساب يوم القيامة عسير.
نسأل الله عز وجل أن يجعل حسابنا يسيراً.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.