جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يتعوذ بالله عز وجل من همز الشيطان، ويقول: (أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، من همزه ونفخه ونفثه)، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاته قبل أن يقرأ فاتحة الكتاب يبدأ بالتعوذ، كما في الحديث عند أبي داود والترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل كبر)، يعني: في صلاة التهجد أو قيام الليل، (ثم يقول: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك)، وهذا هو دعاء الاستفتاح في صلاة الليل،: (ثم يقول لا إله إلا الله ثلاثاً، ثم يقول: الله أكبر كبيراً ثلاثاً، أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه)، فذكر العلماء أن كلمة (همزه) معناها وسوسة الشيطان ونفخ الشيطان وهو الكبر، فالكبر يدفع الإنسان لأن يصير في نفسه عظيماً، فيؤدي به إلى الكفر في النهاية والعياذ بالله! والنفث بمعنى: السحر، أي: أنه يكيد للإنسان بشيء من السحر، وقال بعضهم: النفث هو الشعر؛ لأن الشيطان ينفث في الإنسان بأن يقول الأشعار التي يكون فيها عدم ذكر الله سبحانه، وفيها اللهو والتعريض بالنساء وغير ذلك.
وقد يأتي النفث بمعنى: الكبر، أو بمعنى: ما يأمر به الشيطان الإنسان من الزهو والغرور، وأما معنى همز الشيطان فهو الجنون، فيأتي إلى الإنسان فيوسوس إليه حتى يجعله ذاهب العقل مجنوناً، أو يجعله يتيه بنفسه ويفخر بنفسه ويستكبر على الخلق، أو يجعله لا يدري هل فعل الشيء أو لم يفعله؟ فالله عز وجل أمرنا أن نتعوذ به سبحانه، ونقول: يا رب! يا من تقدر على كل خلقك! أعذنا.
وهذه الآية فيها قراءات: فقراءة يعقوب: (وأعوذ بك رب أن يحضروني) بالإشباع، وقراءة الجمهور: (أن يحضرون) بالكسرة في آخرها دون الإشباع، والمعنى: أني أتعوذ بك يا رب أن يأتيني الشيطان ويحضرني في حال ذكر الله سبحانه وتعالى، وفي غيره من الأحوال.
وقد جاء في الحديث الذي رواه الترمذي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إذا فزع أحدكم في النوم فليقل: أعوذ بكلمات الله التامات من غضبه وعقابه وشر عباده، ومن همزات الشياطين وأن يحضرون، فإنها لن تضره)، وذلك أن الشيطان يأتي للإنسان في يقظته، فيوسوس له أو يدفعه للتهور والغضب، أو يدفعه للغرور والجنون، فأمرنا أن نتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بل قد ينام الإنسان ولا يتركه الشيطان فيأتي له بالكوابيس وبالأحلام التي تفزعه، فأمرنا النبي أن نتعوذ بالله من الشيطان وأن نقول: (أعوذ بكلمات الله التامات من غضبه وعقابه وشر عباده، ومن همزات الشياطين وأن يحضرون)، ثم قال: (فإنها لن تضره)، أي: نزعة الشيطان ونزغته وهو نائم لن تضره إذا قال هذه الكلمات العظيمة.
أيضاً جاء في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم عن جابر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الشيطان يحضر أحدكم عند كل شيء من شأنه، حتى يحضره عند الطعام)، فالشيطان لا يترك الإنسان في كل شأن من شئونه، بل يوسوس له ويلهيه عن ربه سبحانه، فيأتيه في عباداته، وكذلك في وقت طعامه، قال صلى الله عليه وسلم: (فإذا سقطت من أحدكم اللقمة فليمط ما كان بها من أذى ثم ليأكلها ولا يدعها للشيطان).
إن الشيطان يراك ولا تراه، فهو من حولك، ويأتيك وأنت تدخل بيتك، ويريد أن يدخل معك ليبيت معك بداخل البيت، وقد أمرنا صلى الله عليه وسلم إذا دخلنا البيت أن نتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أو نسم فنقول: (اللهم إني أسألك خير المولج وخير المخرج، باسم الله ولجت وباسم الله خرجت، وعلى الله توكلت)، وبهذا يقوم الشيطان ولم يدرك المبيت معك، كذلك إذا حضر العشاء وأنت تأكل فالشيطان يريد أن يأكل معك وأنت لا تراه، ولكن يخبرك النبي صلى الله عليه وسلم بالخبر الصدق الذي أخبره به ربه سبحانه، فيعلمك أن تسمي الله سبحانه عند طعامك؛ حتى لا يأكل معك، وكذلك لعل الإنسان يأكل فيسقط منه شيء من طعامه، فهل يتركه أو يأخذه أم ماذا يفعل؟ طالما أنه لم يتلوث فأمط ما به من أذى وكل طعامك ولا تتركه، ولو تركته فإن الشيطان سيأكل معك منه، فلا تدع للشيطان طعاماً لك، ولا تجعل له مبيتاً عندك في البيت، فعلى الإنسان أن يكون ذا ذكر لله سبحانه وفعل للعبادة والطاعة، وأن يحرص على تطهير بيته من الشياطين بذكر الله سبحانه وتعالى.