قال تعالى: {بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الأَوَّلُونَ}، أي: لن يعقلوا، ولن ينتبهوا، ولن يفهموا، فقد قالوا كما قال الأولون من أهل الجهل والكفر والبعد عن الله، كما قال تعالى: {قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ}، فتعجبوا كما تعجب الأولون، ونسوا ما الذي صنعه الله عز وجل بهؤلاء الأولين، فقد كذبوا وأعرضوا فجاءهم عذاب رب العالمين، فقد أرسل الله إليهم الرسل بالآيات وبالبينات عليهم الصلاة والسلام، فكذب هؤلاء الكفار المرسلين فأخذهم الله، ولم يعتبر هؤلاء الذين من بعدهم.
فقوله تعالى: ((قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ))، أي: هل يبعثنا مرة ثانية بعد ما نصير تراباً وعظاماً نرجع مرة ثانية؟ ويستبعدون ذلك، قال الله سبحانه: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس:78 - 79] سبحانه وتعالى، والذي يتعجب كيف يحييه الله مرة ثانية هل نسي كيف كان هو؟ لقد كان في بطن أمه جنيناً، وكان قبل ذلك نطفة، ثم صار هذا الجنين، ثم صار هذا الإنسان، ثم رأى من يموت وهو سوف يموت ويستيقن من ذلك، فهل نسي أن الذي بدأ خلقه قادر على أن يعيده مرة ثانية؟! وقوله تعالى: ((قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ))، (أئذا)، (أئنا) للقراء اختلاف في قراءتها: فذهب نافع والكسائي ويعقوب إلى البدء بالاستفهام في الهمزتين الأوليين: (أئذا) والثانية بالإخبار فيها (إنا)، فيقرءون: (أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا إِنَّا لَمَبْعُوثُونَ)، وقرأ ابن عامر وأبو جعفر بالإخبار في الأولى وبالاستفهام في الثانية: (إذا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ)، على اختلاف في الأداء، بالتسهيل وبغير ذلك، وباقي القراء يقرءونها: ((أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ)).
وكذلك (متنا) تقرأ: (مُتنا)، و (مِتنا)، ففيها قراءتان.
قال تعالى: {لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ} [المؤمنون:83]، يقولون ذلك ويكذبون، وهم قد رأوا كيف خلق الله عز وجل الخلق، وكيف أمات وأحيا سبحانه، ثم يقولون ((لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ)) أي: وعدوا بالموت، بأنهم يموتون ثم يبعثون، قالوا: وهذا كذب.
والآباء قبل ذلك قال لهم الرسل: إنكم ستموتون وتبعثون، فقال الآباء: ليس هناك أحد سيبعث، فهم يطلبون البعث الآن، والله عز وجل لم يقل: إنه سوف يبعثهم الآن، ولكن أخبر أنهم مجموعون لميقات يوم معلوم، فقالوا: ((إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ))، وهذا كلام المكذبين وأهل الجهل: إنا وجدنا آباءنا على أمة، والتقليد للآباء، وإذا أرادوا الرد على النبي عليه الصلاة والسلام يبدءون برميه بالأكاذيب والاختلاقات، فيقولون: ((إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ))، والأساطير: الخرافات التي كان يتكلم بها الأولون، والأباطيل والترهات.