ثم ذكر المؤمنين الصالحين الذين يتقربون إلى الله سبحانه وتعالى بالعمل الصالح وقلوبهم وجلة، وما أكثر الصفات الحسنة في المؤمنين التي يذكرها الله عز وجل في كتابه، فيذكر في سورة بعضاً من الصفات وفي سورة أخرى بعضاً آخر منها، فبدأ هذه السورة بقوله سبحانه: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} [المؤمنون:1 - 4]، إلى آخر ما ذكر، ثم ذكر صفات أخرى لهؤلاء المؤمنين في نفس السورة، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ} [المؤمنون:57]، فالمؤمن يخشى ربه سبحانه، وقلبه ممتلئ خوفاً ووجلاً من الله سبحانه وتعالى، فيعمل الأعمال الصالحة وهو خائف ألا تقبل هذه الأعمال فكيف يكون حاله إذا عصى الله سبحانه! وما من إنسان إلا ويقع في معصية، مؤمن وغيره، والله عز وجل تواب رحيم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون).
فهؤلاء المؤمنون يعملون الطاعة خائفين من الله عز وجل ألا يقبلها منهم، فهل يتخيل في هؤلاء أنهم يعصون الله وهم غير مشفقين؟! قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ)، أي: خائفون وجلون من لقاء ربهم سبحانه ومن عذابه.
قال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ} [المؤمنون:58]، أي: أن العقيدة الإيمانية ملأت قلوبهم، فهم يؤمنون ويصدقون، ويعملون بما يعتقدون وبما يصدقون، ويعملون لليوم الآخر، ويعملون خوفاً من الله سبحانه وتعالى إيماناً به، قال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ} [المؤمنون:59]، فهم بربهم لا يشركون، فعبادتهم موجهة لربهم وحده لا شريك له، لا رياء فيها، ولا خوف من أحد إلا من الله سبحانه وتعالى، ولا يوجهونها إلى الله وإلى غيره، بل إلى الله وحده لا شريك له، فهم لا يشركون بالله في شيء من العبادات أبداً.