تفسير قوله تعالى: (وقالوا اتخذ الرحمن ولداً)

قال تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا} [الأنبياء:26]، الذين قالوا ذلك هم المشركون.

وقيل: نزلت في خزاعة حيث قالوا: الملائكة بنات الله، فادعوا أن الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناث، وكذبوا في ذلك، وادعوا أن الملائكة بنات الله سبحانه وتعالى.

وهؤلاء ما أعجب جهلهم! لأن الواحد منهم يأنف أن تكون له بنت، كما قال تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ} [النحل:58]، ويأخذ الأنثى ليئدها ويدسها في التراب، ثم ينسبها لأعظم الخالقين سبحانه وتعالى {تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون:14]، يقول: إن الله خلق الملائكة واتخذها إناثاً، وإن الملائكة بنات الله من صاحبة الله حاش لله سبحانه وتعالى.

فزعم هؤلاء الكفار أن الملائكة بنات الله، لذلك كانوا يعبدونهم طمعاً في شفاعتهم لهم، ثم جاء اليهود وطوائف من الناس فقالوا: إن الله عز وجل خاتن إلى الجن، والملائكة من الجن، ومعنى خاتن أي: اتخذهم أصهاراً وله زوجة من هؤلاء وله أولاد! وحاشا لله سبحانه وتعالى أن يكون له ذلك.

قال سبحانه: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ} [الأنبياء:26]، سبح نفسه سبحانه وتعالى، و (سبحان) مصدر من الفعل: أسبح، تقول: أسبحه تسبيحاً، وأصلها: أبرئ الله سبحانه من كل سوء ومن كل نقص ومن كل عيب، وهذا معنى التمجيد، أي: أنه لا يمس بسوء سبحانه وتعالى، ولا يعتريه سوء أو نقص حاش له سبحانه.

ومن معاني كلمة (سبحان): الخفة والإسراع إلى الشيء، وأصلها من سبح، ومنها السباحة، يقال: فلان يسبح، أي: يعوم في البحر بخفة، فقولك: سبحان الله، معناه: أسارع خفيفاً إلى طاعة الله سبحانه وتعالى، يعني: لا أتثاقل عن طاعته وعن عبادته سبحانه وتعالى.

و (سبحان) أيضاً كلمة تعجب من القول عندما يكون شنيعاً وعظيماً فيقول: سبحان الله! على وجه التعجب من هذا القول.

وقد تأتي بمعنى السبح أي: النفس، فيقول الإنسان: أنت أعلم بما في سبحانك، يعني: أنت أعلم بما في نفسك.

إذاً: فسبحان الله معناها: أنزه الله سبحانه وتعالى وأقدسه وأسارع في طاعته سبحانه.

{وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} [الأنبياء:26].

أي: هؤلاء ليسوا أولاده، بل هم عباده سبحانه، إذاً: الملائكة عباد الله وهم ليسوا من الجن؛ لأن الملائكة خلقهم الله عز وجل من نور، والجان خلقهم الله عز وجل من مارج من نار، فهناك فرق بين خلق الجن وخلق الملائكة، وإن كان إبليس قد عبد الله عز وجل في الماضي، أي أنه وصل في العبادة إلى درجة عظيمة حتى صار يعبد الله مع الملائكة، لكن أصله من النار، وعلم الله منذ خلقه ماذا سيحدث له وكيف يكون مصيره.

قال الله سبحانه وتعالى: {بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} [الأنبياء:26 - 27]، قال عنهم: عباد، ولم يقل: عبيد، مع أن كلاً منهما مأخوذ من العبودية، ولكن العباد يكون الغالب فيهم الطاعة، أما العبيد فكأن فيها شيئاً من التحقير، فلو قال: عبيد، فهم عبيد له سبحانه وتعالى يملكهم، ولكنه شرفهم وكرمهم، فقال عنهم: {عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} [الأنبياء:26].

قال تعالى: {لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ} [الأنبياء:27].

أي: لا يجرؤ ملك من ملائكة الله أن يتكلم قبل أن يأذن الله عز وجل له، أو أن ينزل من السماء إلى الأرض قبل أن يأذن الله عز وجل له.

{وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} [الأنبياء:27].

إذاً: لا ينطقون إلا بما أذن الله عز وجل لهم، ولا يسبقونه بالقول أبداً، ويعملون مطيعين لأوامر الله عز وجل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015