روى مسلم عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كنت قائماً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء حبر من أحبار اليهود فقال: السلام عليك يا محمد! قال ثوبان: فدفعته دفعة كاد يصرع منها)، غضب ثوبان لأنه نادى النبي صلى الله عليه وسلم باسمه ولم يقل: يا رسول الله، وربنا سبحانه وتعالى نهانا أن ندعوه باسمه كغيره من الناس، (فقال اليهودي: لم تدفعني؟ فقال: ألا تقول: يا رسول الله؟! فقال اليهودي: إنما ندعوه باسمه الذي سماه به أهله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن اسمي محمد الذي سماني به أهلي)، يريد أن يحسم الخلاف ويسكت هذا وذاك، (قال اليهودي: جئت أسألك، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أينفعك شيء إن حدثتك؟ فقال: أسمع بأذني)، وهذه عادة اليهود يسمعون بالأذن فقط، ولا يدخل ذلك إلى قلوبهم، (فقال: أسمع بأذني، فنكت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعود معه في الأرض) كالمتعجب من هذا الذي سيسمع بأذنه! (فقال اليهودي: أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: في الظلمة دون الجسر)، والجسر هو الذي سيعبر عليه الناس فوق متن جهنم إلى أن يدخلوا الجنة أو يتساقطون في النيران والعياذ بالله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (في الظلمة دون الجسر)، وتبدل الأرض غير الأرض والسموات بما يشاء الله سبحانه، وهذا لا يعلمه إلا نبي، واليهودي يعرف ذلك مما أخبرهم به موسى عليه الصلاة والسلام.
(قال الرجل: فمن أول الناس إجازة؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: فقراء المهاجرين، فقال اليهودي: فما تحفتهم حين يدخلون الجنة؟)، والتحفة ما تتحف به الضيف أو من يأتي إليك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (زيادة كبد النون)، والنون هو: الحوت، فالله عز وجل يطعم هؤلاء من الزيادة التي على كبد الحوت، والله أعلم بعظمه، خلقه الله وجعل تحفة أهل الجنة الأكل من زيادة كبد هذا الحوت، (قال اليهودي: فما غذاؤهم على إثرها؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ينحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها، قال اليهودي: فما شرابهم عليه؟ قال صلى الله عليه وسلم: من عين فيها تسمى سلسبيلاً، قال: صدقت، قال: وجئت أسألك عن شيء لا يعلمه أحد من أهل الأرض إلا نبي أو رجل أو رجلان، فقال صلى الله عليه وسلم: وهل ينفعك إذا حدثتك؟! فقال: أسمع بأذني، قال: جئتك أسألك عن الولد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ماء الرجل أبيض، وماء المرأة أصفر، فإذا اجتمعا فعلا مني الرجل مني المرأة أذكر بإذن الله، وإذا علا مني المرأة مني الرجل آنث بإذن الله، فقال اليهودي: لقد صدقت وإنك لنبي)، وما قال: أشهد أن لا إله إلا الله، بل قال: أنت نبي، ويقولون: هو نبي الأميين.
(قال: ثم انصرف فذهب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد سألني الذي سألني عنه ومالي علم بشيء منه حتى أتاني به) يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ما كنت أعرف هذه الأجوبة، ولكن نزل الوحي حالاً على النبي صلى الله عليه وسلم يخبره بالأجوبة عن هذه الأسئلة.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ماء الرجل أبيض، وماء المرأة أصفر) يقول العلماء الذين يتكلمون عن هذا الحديث من علماء الطب: إن البشرية لم تعلم بواسطة علومها التجريبية أن الجنين يتكون من نطفة الرجل ونطفة المرأة إلا في القرن التاسع عشر، فقد كانوا يظنون أن الجنين من نطفة الرجل فقط، وتيقنوا ذلك في أول القرن العشرين.
والحديث تضمن وصفاً لماء الرجل وماء المرأة، وإن كان أكثر أهل الطب إلى عهد قريب يقولون: المرأة ليس لها ماء، فلا يوجد إلا المني من الرجل فقط، ثم بعد ذلك اكتشفوا أن في المرأة حويصلة جراف اكتشفها رجل اسمه دارك، هذه الحويصلة تخرج سائلاً لونه أصفر، قالوا: ماء المهبل يميل إلى الصفرة، وكذلك الماء في حويصلة جراف، قالوا: لكنه يكون قليلاً فلا تشعر به المرأة في الغالب، وقد تشعر به بعض النساء.
قالوا: عند خروج البويضة من هذه الحويصلة تدعى حينئذ الجسم الأصفر، فلونها أصفر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ماء الرجل أبيض، وماء المرأة أصفر)، ولم ير ذلك صلى الله عليه وسلم، وإنما أخبره الوحي بذلك.
وهنا إعجاز آخر حيث قال: (فإذا اجتمعا فعلا مني الرجل مني المرأة أذكر بإذن الله)، يعني: يكون المولود ذكراً، وإن علا مني المرأة كان المولود أنثى، يقول العلماء: في هذا الحديث إشارة إلى أن إفرازات المهبل لها تأثير في الذكورة والأنوثة، قالوا: إفرازات المبيض حمضية، وتقتل الحيوانات المنوية، وإفرازات عنق الرحم في المرأة قلوية، ولكنها لزجة، وإفرازات الرجل قلوية أيضاً، فإذا غلبت قلوية الرجل على إفرازات الرحم الحمضية كان الجنين ذكراً، وإذا علا ماء المرأة كان المولود أنثى كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم.
قال العلماء: لهذه الإفرازات تأثير على نشاط الحيوانات المنوية المذكرة أو المؤنثة، وقد ذكر الشيخ عبد المجيد الزنداني هذا الأمر، وذكر أنه بحث عن هذا طويلاً حتى لقي دكتوراً مصرياً في أمريكا له سنين يحضر في هذا الأمر، وأخبره أن هذه المسألة ما زالت تحتاج إلى أبحاث جديدة، وله فيها أبحاث لم ينشرها، فأخبره الزنداني بأن هذا موجود في حديث النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أن ماء الرجل وماء المرأة يكونان سبباً في ذكورة أو أنوثة المولود، فقد قال عليه الصلاة والسلام: (إذا علا ماء الرجل كان ذكراً بإذن الله، وإذا علا ماء المرأة كانت أنثى بإذن الله).
ومن الأحاديث التي جاءت في هذا المعنى حديث أنس بن مالك الذي رواه البخاري، وفيه أن عبد الله بن سلام بلغه مقدم النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه يسأله عن أشياء فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي، وهذا عبد الله بن سلام كان من أحبار اليهود، وقد أسلم، أما الآخر فلم يذكر أنه أسلم، فـ ابن سلام سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أول أشراط الساعة، وما أول طعام يأكله أهل الجنة؟ وما للولد ينزع إلى أبيه أو إلى أمه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أخبرني بها جبريل آنفاً)، وذكر له مثل ما ذكر في الحديث الأول، وقال: (أما أول أشراط الساعة فنار تحشرهم من المشرق إلى المغرب، وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد الحوت، وإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد ذكراً) يعني: إذا غلب ماء الرجل صار الولد ذكراً، (وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل صار الولد أنثى، فقال عبد الله بن سلام: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله)، فآمن عبد الله بن سلام بالنبي صلوات الله وسلامه عليه، وطلب منه أن يكتم ذلك، حتى يعرف منزلته عند اليهود، وجاء اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أي رجل عبد الله بن سلام فيكم؟ قالوا: خيرنا وابن خيرنا، وأفضلنا وابن أفضلنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أرأيتم إن أسلم عبد الله بن سلام؟! قالوا: أعاذه الله من ذلك)، وكأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرجو أن يسلموا إذا علموا أن كبيرهم وخيرهم قد أسلم، (فقالوا: أعاذه الله من ذلك فأعاد عليهم فقالوا مثل ذلك، فخرج إليهم عبد الله فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فقالوا: أنت شرنا وابن شرنا، فقال: هذا ما كنت أخاف يا رسول الله)، فأحب أن يعرف النبي صلى الله عليه وسلم قدره فيهم وأنه خيرهم وابن خيرهم، وأنه أفضلهم، وعالمهم، فلما علموا أنه أسلم سرعان ما انقلبوا وكذبوا عليه! والغرض بيان أن القرآن وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم فيها بيان حقائق علمية اكتشفت الآن في زماننا، وهي تبين قدرة الله سبحانه وتعالى، وإعجاز هذا القرآن العظيم، حيث يخبر بحقائق علمية لم تكشف إلا الآن، وقد ذكرها القرآن قبل ألف وأربعمائة عام.
نسأل الله عز وجل أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.