قال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} [المؤمنون:4] أي: يؤدون الزكاة التي أمر الله عز وجل بأدائها، فلا يبخلون بها ولا يشحون على الفقير، ولا يمنون بأنهم أعطوه صدقة أموالهم، وإذا تصدقوا تصدقوا بأفضل ما عندهم، أو بأوسط ما عندهم، ولكن أبداً لا ينظرون إلى شيء رديء فيخرجونه لله سبحانه وتعالى، وهم يعلمون أن ما يعطونه ويخرجونه فالله عز وجل يخلف خيراً منه، ويعطي أضعافاً مضاعفة عليه، فهم للزكاة فاعلون، علموا أن الزكاة تزكي أموالهم، وتزكي ما في قلوبهم من إيمان، وتنمي ما عندهم من أموال، وأن الزكاة تطيب قلوب الفقراء وصدورهم، وتطيب أعمالهم، فهم يفرحون بأن يؤدوا الزكاة كما يفرح الإنسان الذي يأخذها، فهم يعطون وفي الحقيقة يأخذون، فهو أخرج زكاة ماله والله عز وجل زاده أضعافاً مضاعفة في ماله، وأعطاه الثواب، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم حين قالت له عائشة رضي الله عنها وقد ذبحوا شاة وتصدقوا بها على الفقراء قالت: (لم يبق منها إلا الذراع، قال: بل بقيت كلها إلا الذراع).
أي: إن الذي أخرجته هو الذي ادخرته عند الله سبحانه وتعالى فبقيت جميعها إلا الذراع الذي سنأكله فسينتهي.
فالمؤمنون يؤتون الزكاة، و (فاعلون) هنا اسم فاعل، ومثله (خاشعون)، ومعرضون، من أعرض فهو معرض، واسم الفاعل هو الذي يليق بجميع الزمان في الماضي والحاضر والمستقبل، تقول: خشع في الماضي فهو خاشع، ويخشع الآن فهو خاشع، وسيخشع في المستقبل فهو خاشع، فصفة اسم الفاعل تدل على الدوام، فهم خاشعون دائماً في صلاتهم، فليس خشوعهم في صلاة أو صلاتين ثم ينتهي، بل هو مستمر في جميع صلواتهم.
وهم دائماً يعرضون إذا دعاهم إنسان للهو ولغو الحديث، ولذلك ينزهون أنفسهم مثل عباد الرحمن الذين مدحهم الله بأنهم {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} [الفرقان:72] أي: أكرموا أنفسهم عن أن يقعوا في هذا الباطل أو في هذا اللغو، حتى كأنهم إذا وقعوا فيه فقد أهانوا أنفسهم، فهم ينصرفون عن الكلام الباطل وعن الأفعال التي لا تليق بالمؤمنين.
وهم يعطون زكاة أموالهم، ويفرحون بإعطاء الزكاة كفرح من يأخذ المال.