يقول سبحانه وتعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} [محمد:22] (هل عسيتم) خطاب للجميع، وإن كان المخصوص به المنافقين، فهؤلاء الذين يظهرون خلاف ما يبطنون، يقول لهم ربهم سبحانه: هل عسيتم أيها المنافقون إذا توليتم في الأرض، وصارت لكم الولاية في يوم من الأيام، أن تكونوا مفسدين بدلاً من الإصلاح، وهذا قريب من هؤلاء، والجدير بأخلاقهم أنهم يقولون ما لا يفعلون ويتفاخرون بما لا يقدرون عليه.
وقوله: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ) هذه قراءة الجمهور، وقراءة نافع: (فهل عسيِتم).
وقوله: (إِنْ تَوَلَّيْتُمْ) هذه قراءة الجمهور، وقراءة رويس عن يعقوب: (إن تُولِّيتم) على البناء للمفعول، بمعنى: إن وليناكم ولاية، أو إذا وليتم ولاية من الولايات.
وقوله: (وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ) هذه قراءة الجمهور، وقراءة يعقوب: (وتقطَعوا أرحامكم) بدون تشديد فيها.
فالمعنى: أنه يقول: أنا أعلم بكم منكم، ففي قلوبكم الدغل والفساد، وفي إيمانكم الغش، فلو أنكم كما تزعمون فستجاهدون وتنتصرون ليس بفضلكم، ولكن بفضل الله عز وجل، فإذا ولاكم الله عز وجل ولاية فأنتم أهل الجور، وأنتم أهل الظلم أيها المنافقون، لا تصلحون للولايات، بل أنتم مفسدون، وهذا سيكون حالكم عندما يوليكم الله عز وجل ولاية من الولايات، وستتنكرون للمؤمنين، بل ستتنكرون لأقرب الناس إليكم: الأرحام، فستقطعون أرحامكم، وستفسدون في الأرض فتحكمون بظلم، وتقيمون غير شرع الله سبحانه، ولا تقيمون جهاداً في سبيل الله، وتتولون معرضين، فهذا حال المنافقين إذا أصابوا ولاية من الولايات.
قال سبحانه: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} [محمد:22]، وجاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم في أمر الرحم قال: (إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم، قامت الرحم فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك، وأن أقطع من قطعك؟ قالت: بلى، قال: فذاك لك، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرءوا إن شئتم: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} [محمد:22]).