قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا يرفع العلم انتزاعاً ينتزعه من قلوب العلماء، وإنما يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رءوساً جهالاً فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا).
فطالما القرآن محفوظ والسنة معروفة والعمل بهما قائم فليطمئن المسلمون فلن ينتزع الله الدين منهم، فالله لا يأخذ العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور العلماء، إنما يأخذه بموت العلماء، فيستفتى الناس الجهال فيضلونهم.
والعلم ليس مجرد الحفظ، إنما العلم معرفة ما في كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك التقوى التي في القلب، أن يكون العالم تقياً لله، يخاف من الله سبحانه، ويقيم شرع الله عز وجل.
وانظر لـ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يوم أن جاءه الناس ويقولون: إننا تركنا رجلاً جالساً في المسجد والناس من حوله وهو يقول لهم: سبحوا الله مائة، يعني: تسبيحاً جماعياً، ويقول: احمدوا الله مائة، كبروا الله مائة.
ولو أن أي إنسان غير هذا الصحابي الفاضل أو غير أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين عرفوا هذا الدين من كتاب الله عز وجل ومن سنة النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك لقال: وماذا في ذلك؟ رجل قاعد في المسجد مع الناس يذكرون الله تعالى! لكن ابن مسعود رضي الله عنه لما سمع ذلك ذهب فوجد الحلقة والرجل قاعد في وسط الحلقة يصنع ما ذكر، فقال ابن مسعود رضي الله عنه: والله لأنتم على ملة هي أهدى من ملة محمد صلى الله عليه وسلم أو أنكم مفتتحو باب ضلالة؟ يعني: إما أنتم أحسن من النبي صلى الله عليه وسلم وإما أنتم على ضلال، فهذا شيء لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم.
فقالوا له: والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير.
قال: وكم من مريد للخير لا يبلغه.
فليس الأمر أن تفعل شيئاً، وتقول: أنا أتقرب إلى الله عز وجل به، إنما يجب أن تنظر قبل العمل هل فعله النبي صلى الله عليه وسلم أو لم يفعله؟ فقد مكث النبي صلى الله عليه وسلم مدة حياته لم يفعل ذلك التحلق والذكر الجماعي، وإنما أرشد وعلم وترك كل واحد يذكر الله عز وجل على انفراد، ولما علمهم الذكر عقب الصلاة يسبحون الله ثلاثاً وثلاثين، ويحمدون الله ثلاثاً وثلاثين، ويكبرون الله ثلاثاً وثلاثين، ويقولون: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، تمام المائة، أو يحمدون ويكبرون ويسبحون كل واحدة إحدى عشرة حتى يكون المجموع ثلاثة وثلاثين، ولم يفعل ذلك جماعياً، إنما السنة أن يفعل ذلك فرادى.
أما التحديد بهيئة معينة لم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم، فيظن الفاعل في نفسه أنه أفضل من النبي صلى الله عليه وسلم، بل عليه أن يفعل ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، وبذلك يحفظ دين الله عز وجل من البدع والضلالات.
وهناك الآن من يفتي الناس ويقول: كل الأحاديث المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم صحيحة، ولا توجد أحاديث ضعيفة؛ لأن الذين رووها أناس يحترمون النبي صلى الله عليه وسلم ويقدرونه! ويريدون بذلك إلغاء علم الحديث وعلم المصطلح، وبناءً على ذلك لا ينكرون ما قد يزاد من أشياء لا تصح كالزيادة في ألفاظ الأذان، ويقولون: ليس في ذلك شيء.
نقول: هذه عبادة، ولها ألفاظ مخصوصة علمنا إياها النبي صلى الله عليه وسلم فلا نزيد فيها، ولو فتح هذا الباب لزاد كل إنسان ما يستحسنه.
ومرة دخلت مسجداً والمؤذن يقيم الصلاة ويقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن سيدنا ومولانا محمد رسول الله! ولم نسمع مثل هذا إلا بعدما جاء هذا المفتي الجديد وقال للناس: ليس في ذلك شيء.
ونحن ما صدقنا أن ألغي ما كانوا يصنعونه بعد الأذان، فيقف المؤذن بعد الأذان ويقول: الصلاة والسلام عليك يا رسول الله، يا خير خلق الله!! ونحن لا ننكر أبداً أنه رسول الله وخير خلق الله وأحب الخلق إلى الله، ولكن ننكر الزيادة في الأذان؛ لأن ألفاظه مخصوصة، وعددها إما تسعة عشر لفظة أو سبعة عشر لفظة أو خمسة عشر أو أحد عشر لفظة، وذلك معلوم من قول النبي صلى الله عليه وسلم أو من تقريره، ولا نفتح باباً للبدع، ولو قلنا بقول هذا المفتي لما أنكرنا على الشيعة قولهم في الأذان: حي على خير العمل.
فتنفيذ أمر النبي صلى الله عليه وسلم هو من التأدب معه، أما من يفصل بينهما فيقول: أنا أتأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم ويخالف بتأدبه المزعوم الأمر فهذا سوء أدب مع النبي صلى الله عليه وسلم، ومع الرب سبحانه وتعالى، حيث يترك دين الله عز وجل ويشرع ديناً آخر! وقد سأل رجل الإمام مالك رحمة الله عليه فقال: من أين أحرم؟ قال: من ذي الحليفة، قال: ما علي لو أحرمت من المدينة؟ يعني: من غير الميقات فقال: أخاف عليك الفتنة.
قال: وأي فتنة في ذلك، إنما هي أميال أزيدها، يعني: فيكون أكثر في الإحرام وأكثر في الثواب.
فقال: وأي فتنة أعظم من أن تظن أنك فعلت ما لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم! والنبي صلى الله عليه وسلم كان في المدينة ولم يحرم منها، إنما أحرم من ذي الحليفة، وبينها وبين المدينة خمسة أو ستة كيلومتر، وقد كان أهون عليه أن يغتسل في بيته ويلبس لبس الإحرام ويستريح من هذه المسافة الزائدة، لكنه لم يفعل ذلك؛ لأن هذا هو الميقات الذي شرعه الله سبحانه وتعالى.
فتأمل هنا فقه الإمام مالك رحمة الله عليه! قال الإمام مالك: يقول الله عز وجل: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:63] أي: فليحذر الذين يخالفون عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم أو أمر الله عز وجل تحت أي دعوة من الدعوات، وما من بدعة تبتدع في الدين إلا وألغيت مقابلها سنة، فإذا أنكرت على من يزيد في ألفاظ الأذان قوله: أشهد أن سيدنا ومولانا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول لك: أنت لا تحب النبي صلى الله عليه وسلم! وكذلك يقول: الأعداء يشتمون النبي صلى الله عليه وسلم وأنتم تقولون ما تقولون! سبحان الله! هل ينصر النبي صلى الله عليه وسلم بالابتداع في دين الله عز وجل، ولكن علينا أن نتمسك بدين الله سبحانه وتعالى ونحذر من البدع والضلالات، ونكون كما قال الله تعالى: {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ} [البقرة:63].
نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا وعلى آله وصحبه أجمعين.