هذه الأحاديث التي سنذكرها كلها أحاديث صحيحة، فإنه قد ورد في أشراط الساعة أحاديث كثيرة جداً، منها الصحيح، ومنها الحسن، ومنها الضعيف، فانتقينا منها جملة من الأحاديث الصحيحة.
روى الإمام أحمد وأبو داود من حديث أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن بين يدي الساعة فتناً كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً)، وهذا دليل على رقة الدين، وضعفه، حتى إن الإنسان ليتحول إلى الكفر ولا يعصمه دينه عن ذلك، فكأنه لا شيء في قلبه، فمجرد أن يتنازع مع آخر على الدنيا سرعان ما يترك الدين، ويترك شرع الله عز وجل، ينام الرجل على الإسلام ثم يصبح على أبسط الأمور يسب دين الله عز وجل، ويتبرأ منه! وهذا من الفتن، يقول صلى الله عليه وسلم: (القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي)؛ لأنه اقتتال بين المسلمين على الملك، وعلى الحكم، وعلى الدنيا، فكأنه صلى الله عليه وسلم يقول: ابتعدوا عنها، فأفضل إنسان في هذه الفتن من ابتعد عنها ولكن قد يخوض البعض من الناس فيها، فيقول: إن الذي قعد وابتعد عنها خير من الذي دخل فيها.
والمعنى أن أناساً يسابقون في الفتن وأناساً يتباطئون عنها ويبتعدون عنها، فالمتباطئ أفضل من الذي يسعى، وكأن المعنى ابتعدوا عنها قدر الاستطاعة حتى إن وجدت نفسك على وشك أن تدخل في الفتنة فأخر نفسك، وابتعد عنها ولا تقاتل مسلماً أبداً، فيقول هنا صلى الله عليه وسلم: (فكسروا قسيكم، وقطعوا أوتاركم، واضربوا سيوفكم بحجارة فإن دخل على أحد منكم بيته فليكن كخير ابني آدم) أي لا تكن مع واحد من الفريقين الذين يتقاتلون على الدنيا، حتى وإن دخل على أحدكم، هذا إذا كان القتال من أجل الدنيا، أما من أجل دين الله، فعلى المؤمن أن يدافع عن دينه، وأن يقاتل الكفار، والمنافقين، وكل من يتعرض لدين الإسلام، فإن قتل كان شهيداً، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اكسر سيفك) هو إذا كان القتال على المال أو الحكم أو أمر من أمور الدنيا فلا تقاتل لأجل الدنيا، ولكن قاتل القتال المشروع، الذي تدافع فيه عن دين الله سبحانه، أو عن النفس، أو عن الأرض.