أيضاً من الأحاديث التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث الذي في صحيح مسلم من حديث ثوبان رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله زوى لي الأرض) يعني: جمع لي الأرض، ثم قال: (فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها) يعني: ما جمعه الله عز وجل لي ورأيته لابد وأن يكون، لأن الله لا يخلف الميعاد سبحانه، ثم قال: (وإني أعطيت الكنزين: الأحمر والأبيض) يعني: أعطى أمته، وإلا فهو قد مات صلى الله عليه وسلم قبل أن ينال من الدنيا شيئاً من كنوزها عليه الصلاة والسلام، وإنما يفتح الله لهذه الأمة ويعطيها ويمكن لها في الأرض، ثم قال: (وإني سألت ربي لأمتي ألا يهلكها بسنة عامة، ولا يسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم) يعني: أنه صلى الله عليه وسلم دعا ربه سبحانه ألا يهلك المسلمين بسنة عامة، يعني: جميع المسلمين وإلا ففي بلاد المسلمين حصلت مجاعات خلال القرون السابقة، كانت تجيء على أهل مصر مجاعة كانوا يأكلون الكلاب ويأكلون لحوم الميتة، والذي يقرأ في التاريخ يعرف كيف أننا أصبحنا في نعم من الله سبحانه وتعالى، ففي بلادنا هذه يذكر الحافظ الذهبي في تاريخ الإسلام وسير أعلام النبلاء وغيرهما من الكتب وغيره من العلماء أنه حصلت مجاعات في هذه البلاد كان الناس يأكلون فيها كل شيء، ووصل ثمن حفنة القمح بمثلها من الذهب، كانوا يخرجون الدر والياقوت حتى يأخذوا مكانه قمحاً بنفس المقدار! وهذه المجاعات أكل فيها الناس الكلاب وأكلوا كل شيء، حتى كان الرجل يموت فلا يصلون بجثته إلى المقابر إلا وقد تخاطف الناس الجثة وأكلوها، ويذكر علماء التاريخ من ذلك أنه في مجاعة من هذه المجاعات خرج قاضي البلد على بغلة له ومعه حراسه، وتركوا البغلة في مكان، وذهب القاضي للقضاء، فالناس سرقوا البغلة وأكلوها، نسأل الله العفو والعافية! فيخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه دعا ربه ألا يهلك المؤمنين بسنة عامة يعني: ألا يعمهم عذاب من عند الله عز وجل ويمنع عنهم المطر ويمنع عنهم الخير ويموت الجميع، فليس يحدث هذا الشيء؛ لأنه صلى الله عليه وسلم دعا ربه بألا يكون ذلك، ولكن قد يحدث في بعض البلدان ذلك.
ودعا صلى الله عليه وسلم: (ولا يسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم) وربنا سبحانه أجاب النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (يا محمد! إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد، وإني أعطيتك لأمتك ألا أهلكهم بسنة عامة، ولا أسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بين أقطارها) يعني: ليس يكون ذلك ما داموا متمسكين بكتاب الله عز وجل، وما داموا متآلفين متحابين فيما بينهم، ثم قال له ربه: (حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً) يعني: أن يقاتل المسلمون بعضهم بعضاً، طمعاً في الدنيا وحباً للملك، إذا حصل ذلك سأسلط عليهم أعداءهم، وهذا هو الحاصل في المسلمين، لما بغى المسلمون بعضهم على بعض، وتركوا كتاب الله عز وجل وراء ظهورهم، وتنازعوا وتناحروا على الدنيا؛ إذا بالله عز وجل يتركهم، فيتسلط عليهم أعداؤهم، وهذا الوعد الحق من أشراط الساعة.
إذاً: الله لا يرفع عن هذه الأمة العذاب العام، وإنما يجعل بأسهم بينهم إذا هم نسوا دين الله عز وجل، ولا يسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم إلا إذا تسلط بعضهم على بعض، حينها يسلط عليهم أعداءهم.