قال تعالى: {فَإِذا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ} [محمد:4] هذا هو الحكم الذي مهد له فيما تقدم، {فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} [محمد:4] والكافر إذا حارب المسلم، فلا يقول له المسلم: أسالمك، وافعل بي ما تريد، فأنا مسالم، وسأعمل على تحقيق هدنة من طرف واحد! هذا خطأ حذر الله منه، فطالما المؤمن مستضعف نفسه، فإن الكافر يستأستد عليه.
فعلى المؤمن أن يكون قوياً، ويجهر بالحق، مع إعداد القوة التي أمر الله عز وجل بها، {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال:60] (ما استطعتم) من ألفاظ العموم، أي: كل ما استطعتم من قوة، ولذلك فإن المؤمن يتقن عمله في كل مجال؛ حتى يعد العدة لهؤلاء الكفار، كما أمر الله سبحانه، ولا بد للمسلمين أن ينبغوا -كما كانوا قبل ذلك- في كل المجالات، وكل في مجاله، فالآن العلم أصبح شبكة متداخلة فالطب أصبح في الهندسة، والهندسة دخلت في الطب، فيوجد الطب الوراثي، والهندسة الوراثية والزراعة وغيرها إذا لم يتعلم المؤمن هذه الأشياء فسوف يدخل الكفار إلى بلاده، فيخربون بلادهم، ومثال ذلك: عندما استوردنا البذور من إسرائيل، فسدت المزارع، ولم ينبت الزرع، وهذا نتيجة أنهم وصلوا في الزراعة لأعلى الدرجات، فاليهود أعلم الناس بالزراعة، فإذا أنت لم تكن على نفس الدرجة الذي هو عليها، فإنك ستحتاج إلى ما يقدمونه وخصوصاً إذا كان بسعر رخيص.
وعندما ترك المسلمون ذلك، دخل الطلبة الامتحانات بأجهزة إلكترونية بغرض أن يغشوا بها، فزوروا ودفعوا رشاوى لكي ينجحوا، وتركوا العلم فلم يتعلموا أمور دنياهم، ولا أمور دينهم، واعتمدوا على بعض المدرسين الذين حضروا الدكتوراه، والذين حضروا الماجستير في رسالة معينة، ثم رميت في الدرج، وأقفل عليها ولم ينظر أحد إليها بعد ذلك.
أصبحت رسائل العلماء في الأبحاث التي يعملونها مرمية، واعتمدنا على الغرب أن يعطينا، فأعطونا هذه الصفعات المتتالية التي لا نقوم منها، وبين الحين والآخر يحصل شيء في غير صالح الأمة، تأتي أنفلونزا الطيور، فلا نستطيع محاربتها إلى أن يبعثوا لنا بالمصل من الخارج، ونصرف كذا مليار من أجل أن نحضر المصل من الخارج، فنحن لا نفعل شيئاً، حتى الإبر نستوردها من الصين، والأوراق نستوردها كذا، في الخارج القمامة التي في البيوت يأخذوها، ويقسمون القمامة، فيضعون الورق في جانب، والبلاستيك في جانب، والزجاج في جانب، فتباع لأصحاب القمامة؛ من أجل أن يشجع الناس ألا يفسدوها، وتأتي شركة الورق تبحث عن الورق الهالك هذا، ويستفيدون منه في إعادة تصنيع الورق، ولو أننا نعمل هذا فإنه من الممكن أن نستفيد بمقدار 65% مما نستورده منهم، ولكن الناس يفسدون الورق، ويضع الورق على الماء، وعلى النجاسة، ونحن لا نحتاج الورق، فنحن لا نعرف ماذا نفعل به، وهذا نتيجة عدم الفهم، فهل الكافر أذكى منا لأنه يفكر بهذا الشيء، ونحن ليس لدينا هذه العقول؟ فعقولنا أصبحت عقولاً سفيهة غبية؛ لأنها تركت دين الله عز وجل.
فعلى المسلمين إذا لقوا الكفار أن يكونوا أقوياء، قادرين على الصمود، أما الآن فأخبار جرائدنا عبارة عن: هجوم صاروخي على البلدة الفلانية في بداية الصفحة، وتحتها: هجوم لفريق كرة القدم على الآخر! فهذا الذي أصبحت الشعوب مهمة فيه، وإخواننا يضربون في بلدانهم، ونحن لا نعقل ولا نفهم، وكل الذي في عقولنا: ماذا سنأكل غداً؟ ماذا سنفعل؟ رزقنا قليل البلد ليس فيه عمل، لأن الله سلط بعضنا على بعض، فانشغل الناس بالدنيا، وتركوا دين الله سبحانه، بل أصبحوا يحاربون دين الله سبحانه.
وتجد شاباً ملتحياً قدم بطلب وظيفة في شركة خاصة لكي يعمل بها، فلم يتم قبوله؛ لأن الشخص الملتحي ممنوع من العمل في شركة خاصة وفي الشركات الحكومية أيضاً! وكل هذا محاربة لدين الله سبحانه؛ لأن الكفار يقولون لهم ذلك، بحجة أنهم إرهابيون، ولكنه بعد أن حلق لحيته تم قبوله، فلماذا بعدما حلق لحيته أصبح جيداً، ودخل الشركة مع أنه نفس الشخص ولم يغير نفسه، وعندما كان بلحية كان إرهابياً؟! يقولون: إن شركتنا لا تقبل ملتحين، ومنظرك لن يكون مناسباً، ولكن تجد المنسق الأوروبي لحيته كثيفة، فلماذا لحية هذا لم تفسد عليه الاجتماع الذي هو فيه؟! هذا يدل على عدم التفكير، وعلى الهوس في التفكير، والبعد عن دين الله سبحانه، فيسلط الله عز وجل عليهم أعداءهم، يملون عليهم أن افعلوا كذا من دون تفكير، وهذا كله سببه الضعف الكامن في قلوبهم، فهم ضعيفون في عقائدهم، وفي نفوسهم، وقد استخزوا فأخزاهم الله، واستذلوا فأذلهم الله، واستهانوا بأنفسهم فأهانهم الله، وما لجرح بميت إيلام.
{فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [محمد:4] وكنتم على قوة، وأعددتم لهم ما تستطيعون من قوة، {فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ} [محمد:4] ولا يكون المن والفداء إلا بعدما تكون قادراً، وبعدما تخيف عدوك، ولا يكون هذا وأنت ضعيف فسيستهين بك، ويلعب بك، ولا تقدر معه على شيء.
{فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ} [محمد:4] يعني: اضربوها ضرباً، فهذا مصدر يفيد جملة محذوفة تقديرها: اضربوا رقاب الكفار ضرباً.
{فَضَرْبَ الرِّقَابِ} [محمد:4] ورقبة الإنسان أعز ما عليه، فعندما أقول: اضرب رقبته، يعني: أزل رأس فلان، ففيها من القوة ومن الشدة، فهي أقوى من أن يقول: اقتله، قال: {فَضَرْبَ الرِّقَابِ} [محمد:4] أي: أزيلوا رقاب هؤلاء؛ حتى يكون بعضهم عبرة لبعض، وقد يقول بعض الكفار: أنتم تعملون هذا الشيء من ضرب للرقاب، متناسين القنابل التي ينزلونها على بلاد المسلمين، القنابل الفسفورية والعنقودية والذرية الصغيرة والكبيرة، وكلها تجرَّب في بلاد المسلمين، ويدمرون بها المسلمين، ويدمرون بها الحقول, وعندما تنزل تخرج الماء من باطن الأرض، فما الذي يفعلونه بالمسلمين؟! أليس ضرباً للرقاب بهذه القنابل، وحرق البلاد والعباد وإفساد الأرض؟ فإذا لقيتم الذين كفروا فاضربوا رقابهم، الذين يصدونكم عن سبيل الله ويصدونكم عن دين الله سبحانه، ويمنعون تبليغ دين الله سبحانه، لا ينفع معهم إلا أن تجاهدوهم.
وإن الحرب التي يتحدثون عنها هي: حرب صليبية، مهما قالوا: إنها من أجل الديمقراطية فهذا كذب بين، وهذه حقيقة حروبهم مع المسلمين، وأن الإسلام هو عدوهم.
ولذلك لما انهار الاتحاد السوفيتي قال الأمريكان في اجتماعهم: انتهينا من عدو، وبقي لنا الآن عدو آخر وهو: الإسلام، فبعد الاتحاد السوفيتي، والحرب الباردة، وحرب النجوم، لا بد أن نشن الحرب على الإسلام، وفعلوا ذلك، والمسلمون في غفلة، يقولون: لا، هذه ليست حرباً على الإسلام، هؤلاء يقصدون المتطرفين من المسلمين! والحقيقة أنهم يضربون المسلمين الملتزمين وغير الملتزمين، يضربون الجميع، ولا يفرقون بين أحد وآخر، بل يحاولون إبادة كل شخص يطلق عليه مسلم، لذلك لا بد أن يعود المسلمون إلى عقولهم، ويعودون إلى دينهم، ويقرءون التاريخ فيعرفون كيف يصنع الكفار بالمسلمين حين يتمكنون منهم.
نسأل الله عز وجل أن يعز الإسلام والمسلمين, وأن يذل الكفر والمشركين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.