يقول ابن عباس رضي الله عنه: لما مات أبو طالب خرج النبي صلى الله عليه وسلم وحده إلى الطائف يلتمس من ثقيف النصرة، ويدعوهم إلى الله عز وجل لعلهم يستجيبون له بعد إعراض أهل مكة عنه وأذيتهم له، فلم يتوجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف مهاجراً وإنما داعياً إلى الله عز وجل بإذنه، فلما وصل إلى الطائف قصد أناسا ًمن كبارهم وهم عبد ياليل ومسعود وحبيب، ثلاثة إخوة أبناء عمرو بن عمير وعندهم امرأة من قريش فدعاهم إلى الإيمان وسألهم أن ينصروه على قومه.
والأصل أن الذي يدعوك إلى أمر فإما أن تستجيب وأما أن تنصرف عنه، لكن هؤلاء استهزءوا به صلى الله عليه وسلم، فقد دعاهم إلى الله عز وجل الذي خلقهم ورزقهم، والذي هو أحق بالعبادة من غيره، فقال له أحدهم: هو يمرط ثياب الكعبة إن كان الله أرسلك، والمعنى: أنه مستحيل أن الله عز وجل يكون قد أرسلك.
وقال السافل الثاني: أما وجد الله أحداً غيرك يرسله؟ وهذا سوء أدب منهم وخفه، فلم ينظروا إلى الرسالة وإنما نظروا إلى الرسول، وهذا فعل اليهود، فقد قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إذا كان السفير بينك وبين الله هو جبريل فلن نؤمن بما جئت به، فلم ينظروا إلى مضمون ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما نظروا إلى جبريل، فما دام وأنه هو الذي ينزل بالوحي فلن يؤمنوا، ومع ذلك كان النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه يحلم عنهم.
وقال الثالث للنبي صلى الله عليه وسلم: والله لا أكلمك كلمة أبداً، فإذا كنت رسولاً فأنت أعظم من أن أكلمك، وإذا لم تكن رسولاً وأنت كذاب، فأنت أحقر من أن أكلمك.
فلم يستجيبوا له صلى الله عليه وسلم، بل أغروا به سفهائهم وعبيدهم يسبونه ويضحكون عليه صلى الله عليه وسلم، حتى اجتمع عليه الناس وألجئوه إلى حائط ل عتبة وشيبة ابني ربيعة وعتبة وشيبة أبنا ربيعة من مكة، ولكن لهم حائط في ذلك المكان.
فظل هؤلاء وراء النبي صلى الله عليه وسلم يرجموه بالحجارة ويسبونه ويشتمونه، وهو ينصرف عنهم صلوات الله وسلامه عليه، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان له مكانته العظيمة عند الله، ولكن الله عز وجل أراد أن يعلم الخلق الحلم والأدب والصبر والعفو، وعدم الانتقام، وعدم الدفع إلا بالتي هي أحسن.
فلما وصل إلى ذلك البستان إذا بـ الجمحية وهي امرأة من بني جمح القرشية، وكانت زوجة لواحد من هؤلاء، وصعب عليها النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنها لا تقدر أن تعمل له شيئاً، فكأنها كلمت النبي صلى الله عليه وسلم تواسيه، فقال لها: (ماذا لقينا من أحمائك)، أي: انظري إلى فعلهم بنا، صلوات الله وسلامه عليه.