هذا هو عبد الله بن سلام الذي بشره النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة رضي الله تبارك وتعالى عنه، وهو أول من رد على اليهود من اليهود رضي الله تبارك وتعالى عنه.
روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (أن اليهود جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في قصة رجل وامرأة منهم قد زنيا)، وكانوا قد بدلوا حكم التوراة في أن الزاني يرجم، فلما وجدوا أن أشرافهم يزنون قالوا: نلغي حكم التوراة ونأتي بحكم جديد، فقالوا: الذي يزني نركبه على حمار منكوس ووجهه إلى الوراء، ونطوف به بين الناس.
(فلما عرفوا أن النبي صلى الله عليه وسلم حق قالوا: نذهب إلى هذا الذي يقول إنه نبي، فإن حكم بذلك كان حجة لنا عند الله، فذهبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن فلاناً وفلانة قد زنيا فاحكم فيهما، قال: ما تجدون حكمهما عندكم في التوراة؟ قالوا: نسخم وجوههما، ونركبهما على حمار منكوسين، قال: كذبتم، أما تجدون الرجم عندكم؟ قالوا: لا ما نجده، قال: فائتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين، فأتوا بالتوراة وقرءوها، فلما أتوا على الموضع الذي فيه الرجم وضع القارئ يده عليها، فقرأ ما قبلها وما بعدها، -والنبي صلى الله عليه وسلم كان لا يقرأ لا عربياً ولا أعجمياً، فلا يقرأ التوراة بالسريانية ولا بالعربية- فقال عبد الله بن سلام رضي الله عنه: ارفع يدك واقرأ، فرفع يده فقرأها فإذا فيها الرجم).
فهؤلاء يكذبون على الله وكتاب الله بين أيديهم، أفلا يكذبون على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى غيره من البشر؟! فلما قرءوها قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم اشهد أني أول من أقمت حكم التوراة فيهم) أي: أنهم ألغوا حكم التوراة، وأنا أول من أقمت حكم التوراة فيهم.
فكان عبد الله بن سلام رضي الله عنه هو الذي قال لهذا القارئ: (ارفع يدك، فقرأ فيها آية الرجم، فقالوا: صدق يا محمد! فيها آية الرجم).
فالنبي صلى الله عليه وسلم بين أن حكم الله عز وجل في الزاني والزانية إذا وقعا في هذه الجريمة هو الرجم، وبين القرآن وبينت سنة النبي صلى الله عليه وسلم الحد في ذلك.
إذاً: فقوله تعالى: ((قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ)) أي: على مثل ما جئتم به، فشهد على هذا القرآن أنه من عند الله سبحانه، ((فَآمَنَ)) يعني: عبد الله بن سلام، ((وَاسْتَكْبَرْتُمْ)) أي: يا معشر اليهود، ويا معشر الكفار، ((إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)) أي: الذين يظلمون أنفسهم بالشرك بالله عز وجل، فيستحقون من الله عز جل العقاب، {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا} [النساء:116].
نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.