جاء في أمر الهوى حديث صحيح أو حسن، رواه الطبراني في الأوسط عن أنس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ثلاث مهلكات وثلاث منجيات، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم المهلكات فقال: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه)، فالمهلكات التي تهلك الإنسان: شح مطاع، فالإنسان في باطنه شح، وأُمِرَ أن يواري ذلك ويقاوم ذلك، ولا يستجيب لشح نفسه، فإذا الإنسان أطاع نفسه في الشح والبخل، ولم يعط الحقوق لأصحابها، فإن ذلك شح مطاع يهلك الإنسان.
وهوى متبع: فالإنسان يتبع هواه فيؤثر دنياه على الآخرة، وكلما أراد في الدنيا شيئاً أخذه، وحاول فيه وسعى له، ولم ينل منها إلا ما قسمه الله عز وجل له.
وإعجاب المرء بنفسه: أي: أن يكون معجباً بنفسه وبرأيه، لا يلتفت إلى غيره، ويظن نفسه أفضل من الناس وأعلى منهم، ولا يريد أن ينتصح بنصيحة، لا من كتاب الله ولا من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا الإنسان المعجب بنفسه يهلك نفسه في ذلك، فهذا معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه).
والمنجيات التي تنجي الإنسان، ذكر منها النبي صلى الله عليه وسلم الخشية لله، فقال: (خشية الله في السر والعلانية) أي: خوف الله عز وجل، وإرضاؤه سبحانه تبارك وتعالى، سراً وعلانية، فالإنسان حين يرضي ربه سبحانه، يرضي الله عز وجل عنه خلقه، فالإنسان يجعل أمام عينيه أن يرضي الله، أما إرضاء الناس فصعب ومستحيل، فإن كل إنسان له هوى معين، وله مزاج وطريقة، فرب الناس سبحانه تبارك وتعالى الذي خلقهم، هو القادر على أن يحول قلوبهم، وأن يجعلهم يحبونك أو يبغضونك.
فمن توجه في حب الله عز وجل، والعمل لله سبحانه، فإن الله يرضي عنه سبحانه تبارك وتعالى، ويرضي عنه الناس، فرضا الناس غاية لا تدرك، ولو أشعلت للناس أصابعك كلها كالشمعة، فلا يرضى عنك الناس أبداً، فكل إنسان سينقدك، وسيقول لك: اعمل كذا وكذا، ومفروض عليك كذا، ولن تخلص منهم أبداً، وكم تسمع من النصائح كل يوم! ومهما تذكر للناس أعذارك أنها كذا وكذا، فلا أحد يقبل، ولو تمكنوا أن يبقوك تخدمهم الليل والنهار ولا تنام لفعلوا فيك هذا الشيء! فتوجه إلى الله عز وجل بالعبادة، وبالإحسان إلى خلقه بما تقدر عليه، ويستحيل على الإنسان أن يفعل كل خير، ولذلك جاء في الحديث، (ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه)، فلو حاول المسلم أن يحفظ القرآن كله، بكل قراءاته وبوجوهه وفقهه وأصوله وأحاديثه المتعلقة به وغير ذلك ما استطاع ذلك، فأين العمر لذلك؟ وأين العقل الذي يحصل هذا كله؟ وربنا يقول: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء:85].
فلو حاول الإنسان وأجهد نفسه في ذلك، قصر في أمور أخرى، قصر في حاله وفي عياله وفي بيته وفي عمله، فلذلك يكون الإنسان متوازناً، فقد يقول لك إنسان: لماذا تركت كذا؟ وأنت لا تستطيع هذا الشيء، فيقول لك: المفروض عليك أن تحاول، فالناس يتعبون جداً جداً.
فالمؤمن الذي يخاف من الله، يؤدي حقوق الله سبحانه، وحقوق العباد بحسب القدرة والاستطاعة.
ومن المنجيات كذلك، القصد في الغنى والفقر، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (والقصد في الغنى والفقر) فتقتصد وأنت غني أو فقير، وتعود نفسك على ذلك، ولا تعودها على التبذير قال تعالى: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} [الإسراء:27]، ولا تعودها على الإمساك والشح فتضيع نفسك، فالمطلوب الوسط.
ومن المنجيات أيضاً، العدل في الرضا والغضب، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (والعدل في الرضا والغضب) أي: أن تعدل في وقت رضاك وفي وقت غضبك، فإذا غضبت فاحلم، وبعد ذلك افعل الشيء الذي يمليه عليك الشرع الحكيم، فالمسلم في وقت غضبه يمسك نفسه، وبعد أن يذهب غضبه، يتكلم بعد ذلك، حتى لا يقع في الخطأ في وقت الغضب.
فالنبي صلى الله عليه وسلم حذرنا من الهوى ومن الغضب ومن الشح.
نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.