لما تنازل المسلمون عن دين الله سلط الله عز وجل عليهم أعداءه سبحانه، فأصبحوا لا يملكون إلا الشجب والصراخ واللجوء إلى الأمم المتحدة أن يعملوا لهم شيئاً حتى لا يشتم ديننا، ولا يفعل كذا! فرضوا بالذل، فسلط الله عز وجل عليهم من يذلهم ويتحكم فيهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم بأذناب البقر، وتركتم الجهاد في سبيل الله، ورضيتم بالزرع سلط الله عليكم ذلاً، لا ينزعه عنكم حتى تراجعوا دينكم).
فإذا رضيتم بالدنيا، وطلبتموها، وتركتم الآخرة وراء ظهوركم، و (إذا تبايعتم بالعينة)، أي: الربا، وإذا حلل لكم الربا، وأفتاكم المفتون بأنه لا يوجد مانع في الصورة الفلانية فاعملوها، وهي من الربا، والعينة صورة من صور الربا المغطى، وفيها التدليس، والضحك على الناس والخديعة، وهي مثل أن يبيع الإنسان الثوب ولا يريد أن يبيعه، وإنما يريد أن يأخذ مائة درهم ويدفع مكانها مائتان، فهذه من الربا، فهو يقول لك: اشتر مني هذا الثوب بمائة جنيه، وعندما يقبضها، يقول: بعه لي بالتقسيط بمائة وخمسين، فكأنه في الحقيقة أخذ مائة ليردها مائة وخمسين، فهذه هي العينة، أخذ مالاً ليرده أكثر منه، فتحايلوا على الربا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا تبايعتم بالعينة) يعني: تحايلتم على تحليل ما حرم الله سبحانه.
(إذا تبايعتم بالعينة، واتبعتم أذناب البقر) أي: إذا رضي الله عنه كل إنسان بهذا الشيء، ولم يفكر في غيره، وإنما كل تفكيره في ماله.
(ورضيتم بالزرع) أي: رضيتم بالزراعة والعمل فيها، ولم يهتم بغيرها، (وتركتم الجهاد في سبيل الله)، ولغيتم آياته وأحاديثه من المناهج، فإذا فعلتم ذلك (سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى تراجعوا دينكم)، أي: حتى يرجع كل إنسان إلى دينه، ويعرف الحق الذي جاءه من عند الله، ويتمسك بكتاب الله سبحانه وسنة نبيه صلوات الله وسلامه عليه، وهذا حال المسلمين الآن فكل منهم قد رضي بما هو فيه، فهذا راض بماله، وهذا راض بعمله، وكل إنسان مشغول بنفسه، يريد أن يأكل لقمة عيشه، ويتعلل بما وراءه، وإذا قيل له: أد زكاة مالك، قال: لا أحد محتاج أو أن الناس لا يستحقونها.
وأحد المسلمين يسأل بأنه تزوج امرأة تملك من المال مائتين ألفاً، وأنها لا تؤدي الزكاة، ولما سألها عن الحج استهزأت، ولا تصلي، فيسأل ماذا يعمل؟ لا يحل له أن يعيش معها وهي كافرة، ولما سئل: لماذا تزوجتها؟ قال: بسبب مالها! فلما اتبع المسلمون الغرب الكافر قلدوهم في كل شيء، فلم يبق لهم من الإسلام إلا الأسماء، اسم هذا مسلم وهذه مسلمة، ولم يدخل فيهم حقيقة الإسلام، فتجد الكثيرين منهم لا يعرفون شيئاً عن دين ربهم سبحانه، وتجد الكثيرين يحاربون دينهم وهم يعرفون أو لا يعرفون قبل أعدائهم، ولذلك سلط الله عز وجل بعضهم على بعض، وجعل بأسهم بينهم كما جعل اليهود والنصارى من قبل.
قال الله عز وجل: {وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} [الجاثية:18 - 19]، وقال: {كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور:21].
وقد قال هذا للنبي صلى الله عليه وسلم، فكيف بغيره؟ أي: أن الكفار واليهود والنصارى لن ينفعوك يا محمد يوم القيامة.
فهم ((لَنْ يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا)).
وشيئاً هنا: نكرة في سياق النفي فتفيد العموم، أي: لن يغنوا عنك ولو بأقل شيء، ولو شيئاً يسيراً جداً، فلن يغنوا عنك ولن ينفعوك عند الله عز وجل.