قال الله سبحانه وتعالى لموسى: {فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ} [الدخان:23]، طمأنه الله عز وجل أنه ناصره وأنه معه، وحتى لا يخاف حين يرى فرعون من ورائه قال: {إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ} [الدخان:23]، فلا تخف من فرعون، فسيخرج من ورائكم ليعيدكم مرة ثانية، قال: {وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُندٌ مُغْرَقُونَ} [الدخان:24].
فلما وصل موسى إلى البحر الأحمر أمر بأن يمشي في هذا الاتجاه، وبنو إسرائيل لا يتخيلون المشي وهذا البحر يمنعهم، أين أمرت يا موسى؟! قال: هنا في هذا البحر، ثم في النهاية يأمر الله عز وجل موسى أن يضرب بعصاه البحر، وفيه الاختبار والابتلاء لبني إسرائيل حتى يروا المعجزة أمامهم؛ لأنهم لن يستشعروا نعمة الله عز وجل إذا وجدوا البحر مفتوحاً، فإن عادتهم دائماً مع موسى التكذيب والإعراض، فكانوا في حاجة دائمة إلى من يذكرهم ويخوفهم بالله عز وجل، حتى إنهم كانوا إذا قيل لهم: اسجدوا لله عز وجل لا يطيعون موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، حتى رفع الله عز وجل فوقهم جبلاً كما قال: {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ} [الأعراف:171]، فيخرون عند ذلك ساجدين لله على صفحة وجوههم؛ لأن جزءاً من الجبل كان على الأرض والجزء الثاني في السماء، وسيسقط الجبل فوقهم، فهم قوم عجيبون جداً في نفورهم وإعراضهم عن الله عز وجل، لذلك استحقوا أن يدعو عليهم موسى، وأن يدعو عليهم داود، وأن يدعو عليهم غيرهم من أنبياء الله، قال تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة:78 - 79]، فلذلك كان من حكمة الله سبحانه أن يشعرهم بالرعب عند لحاق فرعون بهم فيدفعهم ذلك إلى اللجوء إليه سبحانه؛ لأنهم لو وجدوا البحر مفتوحاً أمامهم لما اعتبروا ولما علموا أن ذلك من فعل الله عز وجل، فإن نزلت: {اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ} [الشعراء:63]، أحسوا بهذه الآية، وأن الله عز وجل هو القادر سبحانه على ذلك وحده، والكثيرون من الناس اليوم عندما يرون آيات الله سبحانه ومعجزاته وانتقامه من العباد يقولون: هذه آيات طبيعية، حتى لو جاء بركان أو إعصار فهم يردونه إلى قوى الطبيعة لا إليه سبحانه وتعالى، فعادة الناس أنهم لا يفكرون بأن هذه الزلازل والبراكين والإعصارات تحدث نتيجة لعصيانهم الله عز وجل، فهم ينسون ذلك ليستكملوا ما هم فيه من اللهو واللعب، وهذه عادة الأولين كما أخبر الله سبحانه وتعالى عن ذلك بقوله: {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ} [الأحزاب:62].