قال الله تعالى: ((وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ))، ((وإني عذت)) أي: استجرت واعتصمت بالله ولجأت إليه سبحانه، ثم قال: ((وَرَبِّكُمْ)) أي: أن فرعون كان يقول: أنا ربكم، فقال: ربي وربك، ورب هؤلاء جميعهم هو الله، وهذا من شجاعة موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام بتثبيت الله عز وجل له، فقد كان موسى خائفاً، وطلب من ربه سبحانه أن يثبته، {قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى} [طه:45] أي: أنا وأخي نخاف من فرعون، وهذا خوف جبلي طبعي، فكل إنسان يخاف حتى الرسل عليهم الصلاة والسلام.
فقال تعالى: {لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:46]، فطمأن الله موسى وهارون، ولذلك ذهب موسى عليه الصلاة والسلام بمنتهى الشجاعة بتثبيت الله عز وجل له إلى فرعون وقال له ما أمره الله عز وجل به، قال الله عز وجل: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى} [طه:68]، فأتى التثبيت من الله عز وجل؛ لأن هذا الموقف من المواقف المرعبة التي ترعب الإنسان وتخيفه وتخيف أيضاً الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، ولكن الله يثبتهم فيثبتون، فكأن الله سبحانه يقول لعباده: لا تخافوا، فكما ثبت موسى وثبت غيره فكذلك أثبتكم إذا التجأتم إلي واعتصمتم بي.
قال تعالى: ((وَإِنِّي عُذْتُ))، ((عذت)) تقرأ بالإدغام وبعدمه، الإدغام قراءة أبي عمرو وقراءة هشام عن ابن عامر وقراءة حمزة والكسائي وخلف وأبي جعفر إني عذت بربي وربكم أن ترجمون، وباقي القراء يقرءونها بعدم الإدغام: ((إني عذت))، وكذلك هنا ((أن ترجمون)) في حال الوصل يقرؤها ورش: ((أن ترجموني)) بالياء في آخرها، ويعقوب يقرؤها وصلاً ووقفاً بالياء، فيقول: ((وإني عذت بربي وربكم أن ترجموني))، وكذلك قوله تعالى: ((وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِي))، وباقي القراء يقرءونها في الوصل بالكسرة، وفي الوقف بالسكون: ((أن ترجمونْ)).
قوله تعالى: ((وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ)) الرجم هنا له معنيان: إما الشتم والأخذ باللسان، وإما الضرب والرمي بالحجر والإيذاء للجسد بالقتل ونحوه، فكأن موسى يقول لهم وهم يهددونه بأنهم سيسبونه ويشتمونه ويرمونه بالحجارة ويقتلونه: ((إني عذت بربي)) أي: أنا لست خائفاً منكم؛ لأني ملتجئ إلى ربي سبحانه، وهو يعصمني ويحميني سبحانه.