قال الله عز وجل: {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [الزخرف:89]، معنى: اصفح عنهم، أي: أعرض عنهم، أعرض عن المشركين الآن لغاية ما ربنا سبحانه يحكم بعد ذلك في أمرهم، قال كثير من المفسرين: هذه الآية منسوخة بآية السيف، يعني: الآن وأنت في مكة أعرض عن هؤلاء الذين يؤذونك، حتى يقضي الله أمراً، فقضى بعد ذلك فقال: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} [التوبة:5]، وقيل: هي باقية على معنى من المعاني، أي: اصفح عن هؤلاء لتدعوهم، فأعرض عما يقولون، وداوم على دعائهم إلى الله سبحانه وتعالى، لعل منهم من يؤمن بعد ذلك.
وقوله: (وقل سلام) (سلام) هنا بمعنى: المتاركة، وليس المعنى سلم على المشركين وقل لهم: السلام عليكم، لا، بل كما قال ربنا سبحانه في عباد الرحمن: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا} [الفرقان:63] يعني: قالوا قولاً فيه مسالمة ومتاركة، يعني: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون:6]، ابتعدوا عنا لا نريد منكم شيئاً إلا أن تستجيبوا لدعوة الله عز وجل، فمعنى قل سلام، أي: المتاركة بيننا وبينكم، تسلمون منا ونسلم منكم إن لم تستجيبوا، فدعونا ندعو إلى الله سبحانه وتعالى، وكان هذا في مكة، وقد أمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم أن يصبر، وأن يجاهدهم بهذا القرآن العظيم، ويجاهدهم بالدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، فلما كان في المدينة أمر بالجهاد بالقول وأمر بالجهاد صلوات الله وسلامه عليه، وهذه سورة مكية، ولم يكن قد أمر بجهاد السيف، وإنما أمر بأن يعرض عن هؤلاء وأن يصفح عنهم حتى يأمره الله عز وجل فيه بما يشاء.
قال الله: {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [الزخرف:89] هذه قراءة الجمهور، وقراءة نافع وأبو جعفر وابن عامر: {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} [الزخرف:89]، بالخطاب لهؤلاء الكفار، أي: سوف تعلمون حين يأتيكم العذاب في الدنيا، وحين يأتي نصر الله عز وجل فينصر المؤمنين عليكم، وحين تأتيكم ساعتكم، وحين تأتيكم القيامة؛ سوف تعلمون من الذي معه الحق ومن الذي يملك أن يعذب هؤلاء، ومن الذي يقضي بينهم، كنتم في الدنيا تنكرون العودة إلى الله، وتزعمون أنكم حتى ولو رجعتم فالأصنام تنفعكم، فسوف تعلمون أنه لا ينفع {إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:89].
نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة.
أقول قولي وهذا وأستغفر الله العظيم.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.